الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهى لهم

          ░180▒ (بَابُ إِذَا أَسْلَمَ): أي: دخلَ في الإسلامِ (قَوْمٌ): أي: من أهلِ الحربِ (فِي دَارِ الحَرْبِ): متعلقٌ بـ((أسلَمَ))، وجملةُ: (وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ): بفتحِ الراء، حاليةٌ، وجملةُ: (فَهِيَ لَهُمْ): جوابُ: ((إذا))، وضميرُ: ((لهم)) عائدٌ لـ((قومٌ))، وضميرُ: ((فهي)) عائدٌ للمالِ والأرَضونَ، لا للأرضِ فقط، وإنما كانتِ الأرضُ والأموالُ لهم استِصْحاباً للأصلِ، ولأنَّهم أحسَنُوا بإسلامِهم، فلا يفوتُ ذلك عليهم، وقيَّدَ الإسلامِ بدارِهم تَبعاً لظاهِرِ قوله في الحديث: ((إنَّها لبلادِهم، فقاتَلوا عليها في الجاهليَّةِ، وأسلَمُوا عليها في الإسلامِ))، وإلا فالحكمُ لا يتقيَّدُ بذلك.
          وقال في ((الفتح)): أشارَ بذلك إلى الردِّ على مَنْ قال من الحنفيةِ: إنَّ الحربيَّ إذا أسلمَ في دارِ الحربِ وأقامَ بها حتى غلَبَ المسلمونَ عليها، فهو أحقُّ بجميعِ مالِه إلا أرضَه وعقارَه، فإنها تكونُ فَيئاً للمسلمين، وقد خالَفَهم أبو يوسُفَ في ذلك، فوافَقَ الجمهورَ، ويوافقُ الترجمةَ حديثٌ أخرجَه أحمدُ عن صخرِ بنِ العَيلةِ البَجَليِّ قال: فرَّ قومٌ من بني سُليمٍ عن أرضِهم: فأخذتُها، فأسلَمُوا وخاصَمُوني إلى النبيِّ صلعم، فردَّها عليهم، وقال: ((إذا أسلمَ الرجلُ فهو أحقُّ بأرضِه ومالِه)).
          وقال العينيُّ: يعني: إذا غلَبَ المسلمونَ عليها، فهو أحقُّ بمالِهِ وأرضِهِ، وفيه خلافٌ، فقال الشافعيُّ وأشهَبُ وسَحنونٌ: إنَّ الذي يُسلمُ في دارِ الحربِ، وبقيَ فيها مالُه وولدُه، ثم يخرُجُ إلينا مسلماً، ثم غزا مع المسلمين بلدَه أنه قد يُحرِّرُ مالَه وعقارَه حيثُ كانَ، وولدَه الصِّغارَ؛ لأنهم تبَعٌ له في الإسلامِ.
          وقال مالكٌ والليثُ: أهلُه ومالُه وولدُه في أعلى حُكمِ البلدِ، وفرَّقَ أبو حنيفةَ بين حُكمِها إذا أسلَمَ في بلدِه ثم خرجَ إلينا، فأولادُه الصِّغارُ أحرارٌ مسلمونَ، ما أودعَه مسلماً فهو له، وما أودَعَه حربيًّا فهو وسائرُ عقارِه هنالك فَيءٌ، وإذا أسلمَ في بلدِ الإسلامِ، ثم ظهرَ المسلمون على بلَدِه، فكلُّ مالِه فيه فَيءٌ؛ لاختلافِ حُكمِ الدارَينِ عنده، ولم يفرِّقْ مالكٌ والشافعيُّ بين إسلامِه في دارِه أو في دارِ الإسلامِ.