الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء

          ░3▒ (باب الدُّعَاءِ) أي: جواز الدُّعاء بل ندبه (بِالجِهَادِ) متعلِّق بـ((الدعاء)) (وَالشَّهَادَةِ) أي: في الجهادِ، ويحتملُ أعم (لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) يتعلَّق بالدُّعاء بأن يقولَ كلُّ منهم: اللَّهمَّ ارزقنِي الجهادَ في سبيلكَ، أو اللَّهمَّ اجعلنِي من المجاهدينَ في سبيلكَ، أو اللَّهمَّ ارزقنِي الشَّهادةَ في سبيلكَ؛ أي: أو في غيرهِ؛ لقولهِ: وقال عمرُ... إلخ.
          وقال ابنُ المنيِّرِ وغيرُه: وجهُ دخولِ هذه الترجمةِ في الفقهِ أنَّ الظاهرَ من الدُّعاء بالشَّهادة يستلزمُ طلبَ نصرِ الكافرِ على المسلمِ، وإعانة من يغضبُ الله على من يُطيعه، لكن / القصدَ الأصلِي إنما هو حصُولُ الدَّرجةِ العُليا المترتِّبةِ على حصُولِ الشَّهادة، وليسَ ما ذكرهُ مقصُود الذاتِ، وإنما يقعُ من ضرورةِ الوجودِ فاغتُفرَ حصولُ المصلحَةِ العُظمَى من دفعِ الكفَّار وإذْلالهم وقهرِهِم بقصْد قتلهِم بحصُولِ ما يقعُ في ضمنِ ذلك من قتلِ بعضِ المسلمين، وجازَ تمنِّي الشَّهادة لما يدلُّ عليه من صدقِ من وقعَتْ له من إعلاءِ كلمةِ اللهِ تعالى حتى بذلَ نفسَه في تحصيلِ ذلك، انتهى فتأمَّله.
          (وَقَالَ عُمَرُ) أي: ابن الخطَّاب ☺ (اللَّهُمَّ) بإثباتها لأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ وسقطَتْ لغيرهِ (ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي بَلَدِ رَسُولِكَ) أي: مدينة نبيِّنا المنوَّرة بحلولهِ عليه السَّلام فيها، وفي بعض النُّسخِ الصَّحيحةِ: ((وقال عمرُ: اللَّهمَّ ارزقنِي شهادةً في سبيلكَ، ومَوتاً في بلدِ رسولكَ صلعم)) وهذا التعليقُ سبقَ وصلُه في أواخرِ الحجِّ، ورواه ابنُ سعدٍ عن حفصَةِ أنَّها سمعتْ أباهَا عُمر يقول: ((ارزقنِي قتْلاً في سبيلكَ، ووفَاةً في بلدِ نبيِّك)). الحديث.