الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟

          2782- وبالسند قال:(حَدَّثَنَا) بالجمعِ لغير أبي ذرٍّ (الحَسَنُ) بفتحِ الحاء والسِّين المهملتين (ابْنُ الصَّبَّاحٍ) بفتحِ الصَّاد المهملةِ وتشديدِ الموحَّدة، وسقطَتْ اللام من ((الصباح)) من أكثرِ الأصُولِ، البَزَّار: بفتحِ الموحَّدة وتشديدِ الزاي فألفٌ فراء، قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ) بكسرِ الموحَّدة فقافٌ؛ أي: التَّميميُّ البزَّار _أيضاً_ الكوفي، نزيلُ بغداد، قال: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ) بكسرِ الميم وسكونِ الغينِ المعجمةِ وفتحِ الواو، الكوفيُّ.
          (قَالَ: سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْعَيْزَارِ) بفتحِ العينِ المهملةِ وسكونِ المثنَّاة التحتيَّة فزاي فألفٌ فراء؛ أي: ابن حُرَيث _مصغراً_ العبديَّ الكوفيَّ (ذَكَرَ) أي: الوليد (عَنْ أَبِي عَمْرٍو) بفتحِ العينِ؛ أي: سعد بن إياسٍ (الشَّيْبَانِيِّ) بفتحِ الشِّين المعجمةِ، نسبة إلى شيبان، وهو: سعدُ بن إياسٍ، أنَّه قال: (قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ☺، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلعم) وقوله: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ) بيان لسؤاله (قَالَ) أي: رسولُ الله (الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا) ((على)) بمعنى: في؛ لأن الوقتَ ظرفٌ لها.
          (قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ) بتنوين ((أيٌّ)) مشدَّدة، قال ابنُ الخشَّاب: لا يجوزُ غيره؛ لأنَّه اسمٌ معربٌ غير مضافٍ، وتعقَّبه الزركشيُّ فقال: لكنَّه مضاف تقديراً والمضافُ إليه محذوفٌ؛ لوقوعهِ في الاستفهامِ، والتقدير: ثم أيُّ العملِ أفضلُ، وهذا إذا وصلته بما بعدَهُ، فإنْ وقفْتَ عليه فبالإسكانُ، وتقدَّم الكلامُ عليه مبسوطاً مع بقيَّة الحديثِ في مواقيتِ الصَّلاة.
          (قَالَ) أي: رسولُ الله (ثُمَّ بِرُّ) بكسرِ الموحَّدة وتشديدِ الراء؛ أي: إكرامُ (الوَالِدَيْنِ) بالتثنيةِ (قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ، قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي: بالنَّفسِ والمالِ، وفي هذه المطابقة، / وقال الكرمانيُّ: فإن قلتَ: تقدَّم في كتابِ الإيمان: أن رسولَ الله سُئل أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ فقال: ((تطعمُ الطَّعام)) وأيُّ الإسلام أفضلُ؟ فقال: ((مَن سلِمَ المسلمونَ من لسَانهِ ويدِه)) قلتُ: أجابَ رسولُ الله كلًّا بما يوافقُ غرضَه، أو بما يليقُ، أو بالوقتِ، أو بالنسبةِ إلى بعضِ الأشياء.
          وقوله: (فَسَكَتُّ) بتشديدِ التاء المضمُومةِ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ) أي: عن سؤالهِ في ذلك الوقتِ (وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ) أي: مِن هذا النوعِ، أو أعم (لَزَادَنِي) من كلامِ ابنِ مسعودٍ ☺، ومُرادُه لو طلبتُ منه الزِّيادة في السُّؤال لزادَني في الجوابِ، قاله القسطلانيُّ، فليتأمَّل ففيه شيءٌ، ولعلَّ المرادَ لو طلبتُ منه الزِّيادة في الجوابِ لكثرةِ السؤالِ لزادَني في الجوابِ عنه، فتدبَّر.
          تنبيه: قال في ((الفتح)): أغربَ الدَّاوديُّ فقال في شرحِ هذا الحديثِ: إن أوقعَ الصَّلاة في ميقاتها كان الجهادُ مقدَّماً على برِّ الوالدين، وإن آخَّرها كان البرُّ مقدَّماً على الجهادِ، ولا أعرفُ له في ذلك مستنداً، فالذي يظهرُ أنَّ تقديمَ الصَّلاةِ على الجهَادِ والبرِّ؛ لكونها لازمةٌ للمكلَّفِ في كلِّ أحيانهِ، وتقديمُ البرِّ على الجهادِ؛ لتوقفهِ على إذنِ الأبوين.
          وقال الطَّبريُّ: إنما خصَّ صلعم هذه الثَّلاثة بالذِّكرِ؛ لأنَّها عنوانٌ على ما سواهَا من الطَّاعاتِ فإنَّ من ضيَّع الصَّلاة المفروضَةَ حتى يخرجَ وقتهَا من غيرِ عُذرٍ مع خفَّةِ مؤنتِهَا وعَظيمِ فضلهَا فهو لما سواهَا أضيعُ، ومَن لم يبرَّ والديهِ مع وفورِ حقِّهما عليهِ كان لغيرِها أقل براً، ومَن تركَ جهادَ الكفَّار معَ شدَّة عداوتهِم للدِّين، كان لجهَادِ غيرهِم من الفسَّاقِ أتركُ، فظهرَ أن الثلاثةَ تجتمعُ في أنَّ من حافظَ عليها كانَ لما سوَاها أحفظُ، ومن ضيَّعهَا كان لما سِواهَا أضيعُ، انتهى.