الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل

          ░50▒ (بابُ الرُّكُوبِ): أي: جواز الرُّكوب (عَلَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ): وقدَّره العينيُّ بمشروعيَّته، و((الصَّعْبة)) بفتح الصَّاد وسكون العين المهملتين: الشَّديدة (وَالْفُحُولَةِ مِنَ الْخَيْلِ): بعطف ((الفحولة)) على ((الدَّابَّة)) من عطف العامِّ على الخاصِّ من وجهٍ، و((الفُحولة)) _بضمِّ الفاء والحاء المهملة_ جمع فَحلٍ _بفتح الفاء_،والتاء فيها لتأكيد الجمعِ، كما في الملائكةِ، أو للمبالغَةِ كما في علامة، قاله شيخُ الإسلامِ.
          (وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ): بسكون العين؛ أي: الحمصيُّ المقْرَأ _بفتح الميم وضمِّها وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة_ نسبةً إلى مقراء، قريةٍ من قرى دمشق، تابعيٌّ ليس له في البخاريِّ سِوى هذا، روى عن ثوبان مولى رسولِ الله صلعم وأبي أُمامةَ ومعاويةَ وغيرهم، ماتَ سنة ثلاثة عشر ومائةٍ، والصَّحيح أنَّه مات سنة ثمانٍ ومائةٍ.
          (كَانَ السَّلَفُ): أي: من الصَّحابةِ فمَن بعدَهُم (يَسْتَحِبُّونَ الْفُحُولَةَ): أي: من الخيلِ ليُقاتلوا عليها في الجهادِ، وفي نسخةٍ كما قال الزركشيُّ: <يستحسنون> (لأَنَّهَا أَجْرَى): بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الرَّاء من غير همزٍ بعدها، من الجري، وفي بعضِ النُّسخِ: <أجرأ> بهمزةٍ آخره، من الجراءَةِ (وَأَجْسَرُ): بسكون الجيمِ وفتح / السِّين المهملة، من الجسَارةِ، وفي بعضِ الأصُولِ، كما في البرماويِّ كالكرمانيِّ: <أحسن> من الحسن بالنُّون وحذف المفضَّل عليه اكتفاءً بالسِّياقِ؛ أي: من الإناثِ أو المخصية، وروى أبو عبيدةَ في كتاب ((الخيل)) له عن عبدِ الله بن محيريز نحو هذا الأثرِ، وزادَ: وكانوا يستحبُّون إناثَ الخيلِ في الغاراتِ والبيات.
          وروى الوليدُ بن مسلمٍ في الجهادِ له عن عبادةَ بن نُسَيٍّ _بضم النُّون وفتح السين المهملة مصغَّرٌ_ وعن ابنِ محيريز أنَّهم كانوا يستحبُّون إناثَ الخيلِ في الغاراتِ والبيات، وفيما خفيَ من أمورِ الحربِ، ويستحبُّون الفحولَ في الصُّفوفِ والحصون، وفيما ظهرَ من أمورِ الحرب، ورُوِي عن خالد بنِ الوليد أنَّه كان لا يُقاتِل إلَّا على أنثى؛ لأنَّها تدفعُ البولَ، وهي أقلُّ صهيلاً، والفحلُ يحبسُه في جريهِ حتَّى ينفتقَ ويؤذِي بصهيلهِ، وروى أبو عبد الرَّحمنِ عن معاذ بنِ العلاءِ عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ رفعه: ((عليكم بإناثِ الخيلِ، فإنَّ ظهورَها عزٌّ وبطونَها كنزٌ))، وفي لفظٍ: ((ظُهورها حرزٌ)).
          وقال ابنُ بطَّال في الحديث: إنَّ فحولَ الخيلِ أفضلُ للرُّكوبِ من الإناثِ؛ لشدَّتها وجُرْأتها، قال: ومعلومٌ أنَّ المدينةَ لم تخل من إناثِ الخيلِ، ولم يُنقَلْ أنَّ النبيَّ عليه السلام ولا جملة أصحابهِ ركبُوا غير الفحولِ، ولم يكنْ ذلك إلَّا لفضْلِهَا على الإناثِ إلَّا ما نُقل عن سعد بن أبي وقَّاصٍ أنَّه كان له فرسٌ أنثى بلقاء، انتهى فتدبَّر، وذكر سيفٌ في ((الفتوح)): أنَّها التي ركبَهَا أبو محجنٍ حين كان عندَ سعدٍ مقيَّداً بالعراقِ، وذكر الدارقطنيُّ في ((سُننه)) عن المقدادِ قال: غزوتُ مع النبيِّ صلعم يوم بدرٍ على فرس أنثى.
          ومطابقةُ الحديثِ للتَّرجمة تُؤخَذ من قوله: ((كانَ السَّلفُ يستحبُّون الفُحُولة))... إلخ، وذلك الغالبُ في الفحلِ أنَّه أصعبُ من الأنثَى.