الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من اختار الغزو بعد البناء

          ░115▒ (بابُ مَنِ اخْتَارَ الغَزْوَ بَعْدَ البِنَاءِ): أي: باب بيان حُكم من اختار الغزو بعد البناء هل يمنع منه، كما يدلُّ عليه حديث أبي هريرة أو لا يمنع، ويحملُ حديث أبي هريرة على الأولويَّة، قاله العينيُّ.
          وفيه أنَّ هذا التقدير لا يناسبُ الأعلى ما في نسخةِ الدَّاودي كما يأتي، والبِناء _بكسر الموحدة والمد_ بمعنى: الزفاف والدُّخول بالزَّوجة، وهذا صادقٌ بكونه قريبَ عهد بعرسٍ وببعيده عنه، وهو مخرج لما يكون قبل البناء، فلا ينبغِي له الغزو حينئذٍ لعدم تفرُّغ قلبه للجهاد وإقبالهِ عليه بنشاط لتعلق خاطرهِ بها أكثر مما بعد الدُّخول وهذا غالبي، ونظيره الدُّخول في الصَّلاة قبل الأكل إذا اشتاقَتْ نفسه إليه.
          (فِيهِ): أي: في هذا الباب (أَبُو هُرَيْرَةَ ☺): أي: حديثه (عَنِ النَّبِيِّ صلعم): يشيرُ إلى حديثه الآتي في الخمس بلفظ: ((غزا نبيٌّ من الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام فقال: لا يتبعني رجلٌ ملك بضعَ امرأة))... الحديث، وقدَّمناه قريباً آخر باب استئذان الرجل الإمام، وأنَّ المراد بالنَّبي داود عليه السلام، ووقعت الترجمة للدَّاودي بلفظ: باب من اختار الغزو قبل البناء، واعترضَها بأن الحديث فيه اختيار البناء قبلَ الغزو.
          قال في ((الفتح)): وعلى تقدير صحَّة ما وقع عندَه فلا يلزمُه الاعتراضُ؛ لأنه أوردَ الترجمة مورد الاستفهام، فكأنه / قال: ما حكم من اختارَ الغزو قبل البناء هل يمنعُ كما دلَّ عليه الحديث أو يحملُ الحديث على الأولوية، انتهى.
          وأقول: لا يخفى على من تأمَّل بعد دَلالة الترجمة على الاستفهامِ، وستأتي الترجمة في النِّكاح بلفظ: باب من أخَّر البناء بعد الغزو.
          تنبيه: قال الكرمانيُّ: وإنما لم يذكرِ الحديث، واكتفَى بالإشارة إليه لعله لعدم كونه على شرطهِ، واعترضَهُ في ((الفتح)): بأن المصنِّف أوردَهُ موصولاً في مكان آخر؛ أي: في الخمس، قال: والجواب الصَّحيح أنه جرى على عادتهِ الغالبة من أنَّه لا يعيدُ الحديث الواحد إذا اتَّحد مخرجه في مكانينِ بصُورته غالباً، بل يتصرَّف فيه بالاختصار في أحدهما.