الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

[كتاب الشروط]

          ♫
          ░░ 54▒▒ (كِتَاب الشُّرُوطِ) قال شيخُ الإسلام: البسمَلةُ ثابتةٌ في كلِّ النُّسَخ، انتهى.
          وأقول: رأيتُ في نُسَخٍ من الأصُول سقوطَها، وعلى ثبوتِها: فهي قبلَ قوله: <كتاب الشروط> في أكثر الأصولِ، ووقعَ في بعضِها: تأخيرُها عنه، وسقط: <كتاب الشروط> لغير أبي ذرٍّ، كما قاله القسطلانيُّ، و((الشُّروط)) بضم الشين المعجمة، جمعُ: شَرْطٍ _بفتح أوله وسكون ثانيه_؛ كفَلْسٍ وفُلُوسٍ، وأما أشراطَ، فهو جمعُ: شَرَطٍ _بفتحتين_، مثلُ: سبَبٍ وأسبابٍ، وأما شَرائطُ، فهو جمعُ: شريطةٍ، ومعنى الشَّرَطِ _بفتحتين_ لغةً: العَلامةُ، ومنه قوله تعالى: فإذا{جَاء أَشْرَاطُهَا}[محمد:18]، وأمَّا الشريطةُ فمعناها كالشَّرْطِ _بسكون الراء_ لغةً: إلزامُ الشيءِ، أو التزامُه مُطلَقاً، وقيَّدَه في ((القاموس)) بالبيعِ ونحوه.
          وأما قولُ العينيِّ: الشُّروطُ: جمعُ: شَرَطٍ، وهو العَلامةُ، انتهى. ففيه ما فيه فإنَّ ذاك هو الشَرَطُ _بفتحتين_، فافهَم.
          وأما شَرْعاً: فهو ما يلزَمُ من عدَمِه العدَمُ، ولا يلزَمُ من وجودِه وجودٌ ولا عدمٌ لذاتِهِ، عكسُ المانع.
          وأمَّا السَّبب: فهو ما يلزَمُ من وجودِهِ الوجودُ، ومن عدَمِه العدَمُ لذاتِهِ، فالشرطُ مؤثِّرٌ بعدمِه، والمانعُ بوجودِه.
          وأما / السببُ؛ فيؤثِّرُ بطرفيه، وعبارةُ الكِرمانيِّ: قال الغزاليُّ: الشَّرطُ: ما لا يوجَدُ الشيءُ بدونِهِ، ولا يلزَمُ أن يوجد عنده، وقال الإمامُ الرازيُّ: هو ما يتوقَّفُ عليه تأثيرُ المؤثِّرِ لا وجودُه.
          والمختارُ: ما يستلزِمُ نفيُه نفيَ أمرٍ لا على جهةِ السَّببيةِ، وهو ينقسِمُ إلى عقليٍّ: كالحياةِ للعِلمِ، وشرعيٍّ: كالوضُوءِ للصَّلاة، ولغَويٍّ: كقولِنا: إن دخلْتَ الدارَ فأنتَ طالقٌ، انتهى، فتأمَّل.
          وقال القسطلانيُّ: الشَّرطُ: ما يلزَمُ من عدمِهِ العدَمُ، ولا يلزَمُ من وجودِهِ وجودٌ ولا عدَمٌ لذاتِهِ، فخرَجَ بالقيدِ الأولِ المانعُ، فإنه لا يلزَمُ من عدمِه شيءٌ، وبالثاني: السببُ، فإنه يلزَمُ من وجودِه الوجودُ، وبالثالث: مُقارنةُ الشَّرطِ للسَّببِ، فيلزَمُ منها الوجودُ، كوجودِ الحَولِ، فإنه شَرْطٌ لوجُوبِ الزكاةِ مع النِّصابِ الذي هو سببٌ لوجوبِها، ومقارنةُ المانع كالدَّينِ على القولِ بأنَّه مانعٌ من وجُوبِ الزكاة، فيلزَمُ العدَمُ والوجودُ، فلزومُ الوجودِ والعدَمِ في ذلك لوجودِ المانعِ والسبَبِ، لا لذاتِ الشرط، ثم هو عقليٌّ: كالحياة للعِلمِ، وشرعيٌّ: كالطهارةِ للصلاة، وعاديٌّ: كنصبِ السُّلَّمِ لصعودِ السطحِ، ولغويٌّ: وهو المخصِّصُ، كما في: أَكرِمْ بني تميمٍ إن جاؤوك؛ أي: الجائين منهم، فينعدِمُ الإكرامُ بانعدامِ المجيء، ويوجَدُ بوجودِه، قاله الجلالُ المحلِّيُّ.
          ░1 ▒ (بَاب مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ) لمَّا كان الكتابُ قبلَه مُجمَلاً أو عامًّا فصَّلَه في هذا الباب وما بعدَه، ويجوزُ المرادُ به: يحِلُّ، وقد يُطلقُ ويرادُ به: ما يصحُّ، سواءٌ كان حلالاً أو حراماً، ولذا قال في ((الفتح)): والمرادُ بها هنا بيانُ ما يصِحُّ منها مما لا يصِحُّ.
          وقوله: (فِي الإِسْلاَمِ) متعلِّقٌ بـ((يجوز)) أي: عند الدخولِ فيه، كشرطِ عدَمِ التَّكليفِ بالنَّقْلةِ من بلدٍ إلى أخرى، لا كشَرطِ أنه لا يصلِّي مثلاً، فإنَّ هذا الشرط لا يجوزُ (وَالأَحْكَامِ) عطفٌ على ((الإسلام)) وهو جمعُ: حُكمٍ، كالعُقودِ والفُسوخِ وغيرهما من المعامَلات (وَالْمُبَايَعَةِ) عطفُ خاصٍّ على عامٍّ.