التوضيح لشرح الجامع البخاري

{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}

          ░54▒ قوله: ({وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ...}) الآية: [البقرة:284].
          4545- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ، حَدَّثَنا شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم _وَهْوَ ابْنُ عُمَرَ_ أَنَّها قَدْ نُسِخَتْ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة:284] الآيَةَ).
          ░55▒ قوله: ({آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة:285]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِصْرًا} [البقرة:286] عَهْدًا، وَيُقَالُ: {غُفْرَانَكَ} [البقرة:285] مَغْفِرَتَكَ، {فَاغْفِرْ لَنَا}).
          4546- (حَدَّثَنَا / إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ) به، وفي آخره: (نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتي بَعْدَهَا).
          الشَّرح: (مُحَمَّدٌ) هذا قال أبو نصرٍ: أُراهُ الذُّهْليَّ، وقال ابنُ البَيِّع: هو مُحمَّد بنُ إبراهيم البُوْشَنْجيُّ، قال: وهذا الحديثُ ممَّا أملاه البُوْشَنْجيُّ بنَيْسابُور، و(النُّفَيْليُّ) هو عبد الله بن مُحمَّد بن عليِّ بن نُفَيلٍ، أبو جعفرٍ الحرَّانيُّ، روى عنه أبو داود، وروى البُخاريُّ والتِّرمِذيُّ والنَّسَائيُّ وابن ماجه عن رجلٍ عنه، مات سنة أربعٍ وثلاثين ومئتين، و(مِسْكِينٌ) هو ابنُ بُكَيرٍ الحذَّاء الحرَّانيُّ، صدوقٌ يُغْرِب، مات سنة ثمانٍ وتسعين ومئةٍ.
          ثُمَّ اعلم أنَّ ما أوردناه مِنْ قوله: (حَدَّثَنَا مُحمَّدٌ، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ) هو ما وقعنا عليه مِنَ الأصول، وهو ما ذكرَه أبو نُعَيْمٍ والإسماعيليُّ، وقال: إنَّ البُخاريَّ رواه كذلك، قال الجَيَّانيُّ: سقط مِنْ كتاب ابن السَّكَن ذِكرُ مُحمَّدٍ، إنَّما فيه: حدثنا النُّفَيليُّ، وأكثر النُّسخ كما تقدَّم، وهو الصَّواب. قال: و(إِسْحَاقُ) في الثَّاني لم أجده منسوبًا، وقد حدَّث البُخاريُّ عن ابن إبراهيم وابن منصورٍ، وذكره أبو نُعَيْمٍ وأبو مسعودٍ وخلفٌ: ابن منصورٍ.
          وهذِه الآية ثبت في «صحيح مسلمٍ» أيضًا مِنْ حديث أبي هريرة ☺ أنَّها نُسخت بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] كما ساقه البُخاريُّ عن ابن عمر ☻، وقال الواحِديُّ: المحقِّقون على أنَّها محكَمةٌ، وقال ابن عبَّاسٍ: نزلت في كتمان الشَّهادة، حكاه ابن المُنْذر وابن أبي حاتمٍ، وقال ابنُ التِّيْنِ: إنْ ثبت هذا عن ابن عمر فمعنى النَّسخ هنا العفو والوضع، يدلُّ عليه الحديث: ((إنَّ الله تجاوزَ لأمَّتي عمَّا حدَّثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تَكلَّم)).
          واختُلف في نسخ الأخبار، فقيل بالمنع وقيل بالجواز، وأصحُّها المنع فيما أخبر الله أنَّه كان، فأمَّا ما تعلَّق منها بأمرٍ أو نهيٍ فأجازه جماعةٌ، وسواءٌ كان ذلك خبرًا عمَّا مضى أو عن مستقبلٍ، وفرَّق بعضُهم بين ما أخبر أنَّه فعلَه وبين أن يفعله، قالوا: وذَلِكَ أنَّ ما أخبر أنَّه يفعله يجوز أن يفعله بشرطٍ، وإخباره عمَّا فعله لا يجوز دخول الشَّرط فيه، وقيل: إنَّه الأصحُّ، وعليه تأوَّل ابن عمر الآية.
          وأثرُ ابن عبَّاسٍ: ({إِصْرًا} عَهْدًا) أسندَه ابنُ المُنْذر وغيرُه عنه، وقال غيره: عهدًا وميثاقًا، وقال عطاءٌ: لا يمسخنا قردةً ولا خنازيرَ، وقيل: ذنبًا ليس فيه توبةٌ ولا كفَّارةٌ، وقُرئ: {آصارًا} بالجمع، و({لَا تَحْمِلْ}) مبالغةٌ في حَمَلَ عليه، و({غُفْرَانَكَ}) منصوبٌ بإضمار فعله.