التوضيح لشرح الجامع البخاري

المؤمن

          ░░░40▒▒▒ (وَمِنْ سُورَةِ المُؤْمِنُ {حم})
          هي مكِّيَّةٌ، ونزلت بعد الزُّمر ثُمَّ الحواميم مرَّتبة إلى آخرها، قاله السَّخَاويُّ.
          (ص) (قَالَ مُجَاهِدٌ: مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ) أخرجَه الطَّبَريُّ مِنْ حديث ابن أبي نَجِيحٍ عنه.
          (ص) (ويُقَالُ بَلْ هُوَ اسْمٌ لِقَوْلِ شُرَيْح بْنِ أَبِي أَوْفَى العَبْسِيِّ:
يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ                     فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ)
          وَيُروَى:
يذكِّرني حاميمَ لمَّا طَعَنْتُهُ                     ..................
          هذا البيت مِنْ أبياتٍ ذكرَها الحسن بن المظفَّر النَّيْسابُوريُّ في «مأدبة الأدباء» أوَّلها:
وأَشعثَ قوَّامٍ بآياتِ ربِّه                     قليلِ الأذى فيما تَرى العينُ مسلِمِ
هَتَكْتُ بجنبِ الرُّمحِ جيبَ قميصَه                     فخرَّ صَريعًا لليَدَينِ وللفَمِ
عَلى غيرِ شيءٍ غيرَ أنْ ليسَ تابعًا                     عَليًّا ومَنْ لا يَتْبَعِ الحقَّ يَنْدَمِ
يذكِّرني حاميم......                     ......... البيت
          وَيُروَى:
ذلفتُ بالرُّمح مِنْ تحت بَزِّه                     ... فخرَّ......... إلى آخره.
          وَيُروَى:شارعٌ بدل شاجرٍ، وَيُروَى بدل يندم: يظلم، وَيُروَى أيضًا بعد ذلك:
شَكَكْتُ إليه بالسِّنان قَميصَهُ                     فَأَرْدَيْتُهُ عَنْ ظَهْرِ طَرْفٍ مُسَوَّمِ
أَقَمْتُ لَهُ في وَقْعَةِ الجَمْلِ صُلْبَهُ                     بِمِثْلِ قدامَى النَّسر حرَّانَ لهْزمِ
          قال: فكان شُرَيْحٌ مع عليٍّ يوم الجمل، وكان شعارُ أصحاب عليٍّ يومئذٍ حاميم، فلما نَهَدَ شُرَيْحٌ لمُحمَّد بن طلحة بن عُبيد الله، الملقَّب بالسَّجَّاد وطعنَه قال: حاميم، فقال شُرَيْحٌ هذا الشِّعر، وقال بعضُهم: لمَّا طعنه شُرَيْحٌ قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ} [غافر:28] فهو معنى قَوْله: يذكِّرني حاميم، قال الحسن: والأوَّل أصحُّ، وقال الزُّبير: إنَّ طلحةَ أمر ابنه مُحمَّدًا السَّجَّادَ يوم الجمل أن يتقدَّم باللِّواء وأمرتْه عائشة بالكفِّ فتقدَّم، وثنى درعه بين رجليه وقام عليها فجعل كلَّما حمل عليه رجلٌ قال: نشدتك بحاميم، فينصرف، حتَّى شدَّ عليه رجلٌ مِنْ بني أسدِ بن خُزَيْمة، فقال: حُديد، فنشده بحاميم، فلم ينتهِ فطعنه فقتله، وقتل قبلَه مِنْ بني أسدٍ رجلًا يُقَالُ له: كعب بن مُدْلِجٍ، وقيل: قتله شدَّاد بن معاوية العَبْسيُّ، وقيل: قتله عبد الله بن معكبر مِنْ بني غَطَفان حليف بني أسدٍ، وقيل: قتله ابن مكيسرة الأزديُّ، وقيل: قتله معاوية بن شدَّادٍ العبسيُّ، وقيل: عصام بن المقشعر النَّصريُّ، وعليه كثرة الحديث، وقال المَرْزُبانيُّ: هو الثَّبت، وقال الَّذِي قتلَه:
وأشعثَ قوَّامٍ.........                     ............ إلى آخره
          وفي نسخة يتيمة البحتريَّة قال عَديُّ بن حاتمٍ الطَّائيُّ:
مَنْ مُبلِغ أفناءَ مَذْحِجَ أنَّني                     ثَأَرتُ بحالي ثُمَّ لم أتأثَّمِ
تركتُ أبا بكرٍ ينوءُ بصدرِه                     بصفِّينَ مخضوبَ الكعوب مِنَ الدَّمِ
يُذكِّرني ثَأْري غداةَ لَقِيتُه                     فَأَجْرَرْتُه رُمحِي فَخَرَّ على الفَمِ
يُذكِّرُني ياسين لمَّا طعنتُه                     فهلَّا تَلَا ياسين قَبْلَ التَّقدُّمِ
          وذكر أبو زيدٍ عمرُ بن شَبَّة في كتابه «حرب الجمل» مِنْ طريق ابن إسحاق أنَّ مالكًا الأشتر النَّخَعيَّ قتل محمد بن طلحة، وقال في ذلك شعرًا فذكرَه، وحدَّثَنا عليُّ بن سلمة عن داود بن أبي هندٍ قال: كان على مُحمَّد بن طلحة يومئذٍ عِمامةٌ سوداء، فقال عليٌّ: لا تقتلوا صاحبَ العمامة السَّوداء فإنَّه أخرجَه بِرُّه بأبيه، فلقيه شُرَيْحٌ فأهوى إليه بالرُّمح فتلا حاميم فقتله، وذكر أبو مِخْنَفٍ لوطٌ في كتابه «حرب الجمل» _الَّتي أنكرها ابن حَزْمٍ وغيره_ الَّذِي قتل مُحمَّدًا مُدْلِجُ بنُ كعبٍ، رجلٌ مِنْ بني سعد بن بكرٍ، وقيل: شدَّادٌ.
          فصلٌ: وفي (حم) أقوالٌ أخر: هل هو اسمٌ مِنْ أسماء القرآن أو اسمُ اللهِ الأعظم، أو حُمَّ الأمرُ، أو حروف الرَّحْمن مقطَّعةً الر، وحم، ونون، وقول البُخاريِّ الماضي: (وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ اسْمٌ) لعلَّه يريد على قراءة مَنْ قرأ حاميم بفتح الميم، أي ٱتلُ حاميم، ولم يصرفه لأنَّه جعله اسمًا للسُّورة، ويجوز أن يكون لالتقاء السَّاكنين، ويجوز فتح الحاء وكسرها، وهما قراءتان.
          (ص) (الطَّوْلُ: التَّفَضُّلُ) قلتُ: وأصلُه الإنعام الَّذِي تطول مدَّتُه على صاحبه.
          (ص) ({دَاخِرِينَ} مُطِيعِينَ) قلتُ: وقيل: صاغرين، وقيل: أذلَّاء، والمعنى متقاربٌ.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى النَّجَاةِ} الإِيمَانِ) هذا أسندَه ابن أبي حاتمٍ مِنْ حديث ابن أبي نَجِيحٍ عنه.
          (ص) ({لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} يَعْنِي الوَثَنَ) أي لأنَّ الأوثان لا تأمرُنا بعبادةٍ، ولم تدَّعِ الرُّبوبيَّة، وفي الآخرة تتبرَّأ مِنْ عبادتها.
          (ص) ({تَمْرَحُونَ} تَبْطَرُونَ) أي بالفخر والخيلاء.
          (ص) ({يُسْجَرُونَ} تُوقَدُ بِهِم النَّارُ) قال مجاهدٌ: يصيرون وقودًا لها.
          (ص) (وَكَانَ العَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُل: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ فقَالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ واللهُ يَقُولُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} [الزمر:53]، ويقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر:43] وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ على مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ اللهُ مُحمَّدًا صلعم مبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا مِنَ النَّارِ مَنْ عَصَاهُ) وقال ابن مَسْعودٍ ومجاهدٌ وعَطاءٌ في المسرفين: هم السَّفَّاكون للدِّماء، قال ابنُ عبَّاسٍ: ونزلت: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر:53] في وحشيٍّ قاتلِ حمزة، وكان ابنُ عبَّاسٍ يَقرَأُ: {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاءُ}.
          4815- ثُمَّ / ساق البُخاريُّ حديثَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: (قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ: أَخْبِرْنِي بأَشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلعم قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلعم يُصَلِّي بِفِنَاءِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللهِ صلعم وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ به خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بكرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ثُمَّ قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر:28]).
          هذا الحديث سلف في المبعث، وآخرِ مناقب الصِّدِّيق [خ¦3678]، ومعنى ({أَن يَقُولَ}): كان يقول، وهذا كما قال يوشع في موسى.