التوضيح لشرح الجامع البخاري

{والذاريات}

          ░░░51▒▒▒ (وَمِنْ سُورَةِ {وَالذَّارِيَاتِ})
          هي مكِّيَّةٌ، ونزلت بعد الأحقاف وقبل الغاشية، كما قاله السَّخَاويُّ.
          (ص) (قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ الرِّيَاحُ) رواه ابن أبي حاتمٍ والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه جُوَيبرٌ عن الضَّحَّاك عنه مطوَّلًا.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ: تَذْرُوهُ تُفَرِّقُهُ) قلتُ: يُقَالُ: ذَرَتِ الرِّيح التُّرابَ وأَذْرَتْ.
          (ص) ({وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات:21] تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ) هو قولُ المُسيِّبِ بنِ شَرِيكٍ، وقيل: به التَّطوير.
          (ص) ({فَرَاغَ} [الذاريات:26] فَرَجَعَ) أي وعدل ومال.
          (ص) ({فَصَكَّتْ} [الذاريات:29] جَمَعَتْ أَصَابِعَهَا فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا) أي كعادة النِّساء إذا أنكرن شيئًا أو تعجَّبنَ منه.
          (ص) (الرَّمِيمُ: نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ) أي وُطئ بالأقدام والقوائم حتَّى ينفت، كقولك: طريقٌ مدوسٌ، ومنه دِياسُ الزَّرع، وقيل: الرَّميم: الشَّيءُ البالي، ومنه: {وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78].
          (ص) ({إِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] أَيْ لَذُو سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة:236]) قلتُ: فهو راجعٌ إلى القدرة كما قال ابن عبَّاسٍ: قادرون، وعنه: لموسِعون الرِّزق على خلقنا.
          (ص) ({زَوْجَيْنِ} [الذاريات:49] الذَكَرَ وَالأُنْثَى، وَاخْتِلاَفُ الأَلْوَانِ حُلْوٌ وَحَامِضٌ فَهُمَا زَوْجَانِ) قلتُ: وكذا السَّعادة والشَّقاوة، والجنُّ والإنس، واللَّيل والنَّهار، والسَّماء والأرض، والشَّمس والقمر، والبَرُّ والبحر، والسَّهل والجبل، والشِّتاء والصَّيف، فقولُه: {خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} أي صنفين ونوعين مختلفين.
          (ص) ({فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50] مِنَ اللَّهِ إِلَيهِ) أي واعملوا بطاعته، قاله ابن عبَّاسٍ.
          (ص) ({إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُون) أي فجعله خصوصًا للمؤمنين، وبه صرَّح ابن قتيبة في «مُشكَلِه»، يوضِّحُه قولُه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف:179] أي خلقنا ما يُخلق يومَ المعاذير في الذَّرِّ ويومَ الميثاق، وذاك للعبوديَّة فعاتب وأنذر، فمَنْ عبدَه جازاه ومَنْ عاند عذَّبه، وقيل: إلَّا ليقرُّوا بالعبادة طوعًا وكرهًا، قال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83] وقيل: إلَّا ليعرفون، ثُمَّ قال البخاريُّ: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ وَتَرَكَ بَعْضٌ، يَعْنِي بِقَدَرٍ، قَالَ: وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ القَدَرِ).
          (ص) (وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ العَظِيمَةُ) قال مجاهدٌ: ذَنُوبًا سبيلًا سَجْلًا، هذا أخرجه عبدُ بن حُميدٍ عن رَوحٍ عن شِبلٍ عن ابن أبي نَجِيحٍ عنه، وقال سعيد بن جُبَيرٍ: سَجْلًا، وقال قَتَادة: عَذابًا، وقال الحسن: دُوْلَةً، وقال الكِسائيُّ: حظًّا، ووصفُ الذَّنُوب بالعظيم هو ما عبَّر به الشَّافعيُّ في «مختصره» ولا يكون ذَنُوبًا حتَّى يكون ملآنًا، وقيل: فيها ماءٌ قريبٌ مِنَ الثُّلث.
          (ص) ({فِي غَمْرَةٍ} [الذاريات:11] فِي ضَلَالَةٍ) وفي نسخةٍ: <ضَلَالَتِهِمْ يَتَمَادَوْنَ> قلتُ: وقيل: في شبهةٍ وغفلةٍ، وقيل: في غلبةِ الجهلِ غافلون.
          (ص) (وَقَالَ ابن عبَّاسٍ: {الْحُبُكِ} اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا) هذا أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ مِنْ حديث سعيدٍ عنه، وقال مقاتلٌ: الحُبُكُ: الطَّرائق الَّتي في الرَّمل مِنَ الرِّيح، وقيل: الماء يصيب الرِّيح فيركب بعضه بعضًا، وقال أبو صالحٍ: الخلق الحسن، وقال الجَوْزيُّ: هو قَسَمٌ.
          (ص) ({قُتِلَ الْإِنْسَانُ} [عبس:17] لُعِنَ) أي لُعِن الخرَّاصون، أي الكذَّابون، وقال ابنُ عبَّاسٍ: المُرتابون، وقال مجاهدٌ: الكَهَنة.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُّسَوَّمَةً} [الذاريات:34] مُعَلَّمَةً مِنَ السِّيمَا) أي العلامة.
          (ص) ({صَرَّةٍ} [الذاريات:29] صَيْحَةٍ) هو قول ابنِ عبَّاسٍ ☻ وغيرِه كما أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: العَقِيمُ: لاَ تُلْقِحُ شَيْئًا) أي: لا تُلْقِحُ شجرًا ولا تُنشِئ سحابةً، ولا رَحِمَ فيها ولا بركة.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ: تَوَاصَوْا: تَوَاطَؤُوا) أي أوصى / بعضُهم بعضًا بالتَّكذيب وتواطؤوا عليه، والألف فيه ألف التَّوبيخ.