التوضيح لشرح الجامع البخاري

{لا يسألون الناس إلحافًا}

          ░48▒ قولُه: ({لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:273] يُقَالُ: أَلحَفَ عَلَيَّ وَأَلَحَّ عَلَيَّ وَأَحْفَانِي بِالمَسْأَلَةِ، {فَيُحْفِكُمْ} [مُحمَّد:37] يُجْهِدْكُمْ).
          4539- ثُمَّ ساق حديثَ أبي هريرة ☺: (لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ...) إلى قوله: (يَعْنِي قَوْلَهُ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:237]).
          وقد سلف في الزَّكاة [خ¦1476].
          وقوله: (يُقَالُ: أَلحَفَ عَلَيَّ وَأَلَحَّ عَلَيَّ وَأَحْفَانِي) يريد: معناهنَّ واحدٌ، وإن اختَلف ما أخذت منه، فمعنى (أَلَحَّ عَلَيَّ): لازمني ولم يفتر، ومعنى (أَلْحَفَ) يشتمل بالمسألة على وجوه الطَّلب وهو مشتقٌّ مِنَ اللِّحاف الَّذي يُتغطَّى به، ومعنى أحفى مثل ألحَّ، ومنه: {فَيُحْفِكُمْ} [مُحمَّد:37] أي يبالغ في مصلحتكم، وهو مصدرٌ في موضع الحال، أي مُلحفين، والجمهور على أنَّ معنى الآية لا يسألون ألبتَّة لتعفُّفهم عنها، وإن كان السَّابقُ إلى الفهم خلافَه، ولا شكَّ أنَّ الإلحاح في المسألة ممتنعةٌ عند الحاجة وعدمها، ومَنْ سأل وله أوقيَّةٌ مِنْ فضَّةٍ أربعون درهمًا أو ما يقوم مَقامها فقد ألحفَ كما نبَّه عليه أبو عمرَ، والفقراء المذكورون في الآية هم فقراء المهاجرين دون غيرهم، حكاه ابن جريرٍ عن جماعةٍ، وأسند ابنُ المُنْذر عن ابن عبَّاسٍ ☻ أنَّهم أصحاب الصُّفَّة، وذكرَه أيضًا مقاتلٌ.
          وقوله في الحديث (يَعْنِي قَوْلَهُ) قائلُه هو شيخ البُخاريِّ ابنُ أبي مريمَ، وهو سعيد بن الحكم بن أبي مريمَ كما ذكره الإسماعيليُّ وأبو نُعَيْمٍ في «مستخرَجَيهما» مِنْ طريق الحسن بن سفيان قال: قلت لابن أبي مريمَ: ما تقرأُ يَعْنِي قَوْلَهُ: واقرؤوا إن شئتم، قال: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا} الآية[البقرة:273]، قال الإسماعيليُّ: وهو مِنْ تفسيره، قال: وحديث إسماعيل بن جعفرٍ _يعني المذكور عندَه_ أولى بالتَّفسير منه لإتيانه بالآية في الرِّواية تصحيحًا، لما قاله وإن كان عن عَطاءِ بن يسارٍ وحدَه عن أبي هريرة ☺ بخلاف رواية البُخاريِّ له عن عَطاءٍ وعبد الرَّحْمن بن أبي عَمْرة، عن أبي هريرة.
          قلت: وأَبُو عَمْرَةَ هو بَشير بن عمرو بن مِحْصَن بن عَتِيك، نجَّاريٌّ، قُتل مع عليٍّ بصِفِّين وله صحبةٌ، وقُتل أخوه أبو عُبيدة يومَ بئر مَعونة، وقُتل أخوهما ثعلبةُ يومَ جسر أبي عُبيدٍ، وقُتل أخوهم حَبيب بن عمرو بن مِحْصنٍ يومَ اليَمامة، ولثعلبة بن عمرٍو أيضًا ولدٌ يُقال له: عبد الرَّحْمن، روى له خارج «الصَّحيح».
          فائدةٌ: استدلَّ ابنُ حَزْمٍ بهذا الحديث على أنَّ المسكينَ الَّذي له أدنى شيءٍ لا يقومُ بحاله يصبر ولا يسأل، وقال ابن الجَوْزيِّ: قد جُعل في هذا الحديث مَنْ لا يسأل أعظمَ حاجةً مِنَ السَّائل.