التوضيح لشرح الجامع البخاري

{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين}

          ░38▒ قوله: ({أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ...}) الآية [البقرة:214].
          4524- 4525- ثُمَّ ساق عن ابن عبَّاسٍ ☻: ({حتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف:110] خَفِيفَةً، قال: ذَهَبَ بِهَا هُنَالِكَ، وَتَلاَ: {حتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ} [البقرة:214]، فَلَقِيْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ ♦: مَعَاذَ اللهِ، وَاللهِ مَا وَعَدَ اللهُ رَسُولَهُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ...) إلى آخره.
          وهذا _أعني ما ذكره عن عائشة_ سلف في مناقب يوسف ◙ واضحًا [خ¦3389]، ولمَّا ذكرَ الحُمَيْديُّ المتنَ الأوَّل قال: ذكرناه في مسند ابن عبَّاسٍ على ما ذكره أبو مسعودٍ، وقد نقله البَرْقانيُّ إلى مسند عائشة، وفي روايةٍ: كانوا بشرًا ويَئِسوا فظنُّوا أنَّهم قد كُذِبوا، ذهبَ بها هناك، وأَومَأَ بها إلى السَّماء.
          ولابنِ المُنْذر: لمَّا سمع الضَّحَّاك قولَ سعيدِ بن جُبَيْرٍ لِمَنْ سألَه عن هذِه الآية قال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} مِنْ قومِهم أنْ يُصدِّقوهم، وظنَّ المرسَلُ إليهم أنَّ الرُّسُلَ كَذَبوهم، قال الضَّحَّاك: لو رحل إلى اليمن في هذِه لكان قليلًا. وقراءة عاصمٍ والكِسائيِّ وحمزة بالتَّخفيف، والباقون بالتَّثقيل، وهو الَّذي ذهبت إليه عائشةُ، وهو الصَّحيح كما قاله ابنُ الجَوْزيِّ، ويُحمل التَّخفيف على أنَّ قومَ الرُّسل ظنُّوا أنَّهم قد كُذِبوا فيما وُعِدوا به مِنَ النصر.
          وأمَّا الآية الَّتي ذكرها البُخاريُّ، ففي «تفسير عبد الرَّزَّاق» عن قَتَادة أنَّها نزلت يوم الأحزاب، أصاب رَسُولَ الله صلعم يومئذٍ وأصحابَه بلاءٌ وحصرٌ، وذكره ابن أبي حاتمٍ عن السُّدِّيِّ، ونقله القُرْطُبيُّ عن الأكثرين، وقيل: نزلت يوم أُحدٍ، وقيل: نزلت تسليةً للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله تعالى ورسوله، وقال مقاتلٌ: نزلتْ في عثمانَ وأصحابِه لمَّا قال لهم المنافقون بأُحدٍ: لو كان مُحمَّدٌ نبيًّا لم يسلَّط عليه القتل، فقالوا: مَنْ قُتِلَ منَّا دخل الجنَّة، فقال المنافقون: إنَّكم تمنُّون أنفسكم بالباطل، وقال الزَّجَّاج: معناه: بل حسبتم.
          ومعنى: ({مَثَلُ الَّذِينَ}): أي صفةُ، ({خَلَوْا}): مضَوا مِنَ الأنبياء والأمم السَّالفة، وقال الزَّمَخْشَريُّ: {أَمْ} منقطعةٌ ومعنى الهمزة فيها التَّقرير، و({البَأسَاءُ}) الفقر.
          وقوله: {حتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} قال مقاتلٌ: هو اليَسَع واسمُه شَعْيا، {وَالَّذِينَ آمَنُوا} حزقيا الملك حين حضر القتال ومَنْ معه مِنَ المؤمنين، فقتل مِيْشَا ولدَه اليَسَع. {قَرِيبٌ} سريعٌ، وقال الكلبيُّ: في كلِّ رَسُولٍ بُعث إلى أمَّته، وقال الضَّحَّاك: هو مُحمَّدٌ وعليه يدلُّ نزول الآية الكريمة، وأكثر المتأوِّلين على أنَّ الكلام إلى آخر الآية مِنْ قول الرَّسول والمؤمنين، أي بلغ بهم الجَهدُ حتَّى استبطؤوا النَّصر، فقال الله: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} ويكون ذلك مِنْ قول الرَّسول على طلب استعجال النَّصر لا على شكٍّ وارتيابٍ، وقيل: في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، حتَّى يقول الَّذين آمنوا: متى نصر الله، فيقول الرَّسول: ألَّا إن نصر الله قريبٌ، فقدَّم الرَّسولَ في الرُّتبة لمكانته، ثُمَّ قدَّم المؤمنين لأنَّه المقدَّم في الزَّمان.
          قال الفرَّاء: قرأه القُرَّاء بالنَّصب إلَّا مجاهدًا وبعضَ أهل / المدينة رفعوا فقالوا: {حَتَّى يَقُولُ}.