التوضيح لشرح الجامع البخاري

سورة آل عمران

          ░░░3▒▒▒ (ومِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ).
          هي مدنيَّةٌ، وسبب نزولها قدومُ وفد نَجران، قاله ابن إسحاق.
          ({تُقَاةً} وتقيَّةً: واحدةٌ) قلت: وقُرئ: {تَقِيَّةً}.
          (ص) ({صِرٌّ} بَرْدٌ) أي شديدٌ، ({شَفَا حُفْرَةٍ} مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ وَهُوَ حَرْفُهَا) أي وكنتم مُشْفينَ على أن تقعوا في نار جهنَّم لِما كنتم عليه مِنَ الكفر، فأنقذكم منها بالإسلام، ({تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ} تَتَّخِذَ مُعَسْكَرًا) قلتُ: وأصله تلزم، وقرأَ عبد الله: {تُبَوِّي} بمعنى: تسوِّي لهم وتُهيِّئ لهم، (المُسَوَّمُ: الَّذِي لَهُ سِيمَاْ بِعَلَامَةٍ أَوْ بِصُوفَةٍ أَو بِمَا كَانَ) هو كما قال، وهو مذهب الجماعة إلَّا الأخفش قال: مسوَّمين مُرسلين، ومُسَوَِّمين _بفتح الواو وكسرها_ بمعنى معلِّمين أنفسهم أو خيلَهم، قال الكلبيُّ: معلَّمين بعمائم صفرٍ مرخاةٍ على أكتافهم، وعن الضَّحَّاك: معلَّمين بالصُّوف الأبيض في نواصي الدَّوابِّ وآذانِها، وعن مجاهدٍ: مجزوزة أذناب خيلهم، وعن قَتَادة: كانوا على خيلٍ بُلْقٍ، وعن عروة بن الزُّبَير: كانت عِمامة الزُّبَير يومئذٍ صفراء، فنزلت الملائكة بذلك، وعن رَسُول الله صلعم أنَّه قال لأصحابه: ((تَسوَّمُوا فَإِنَّ الملائكةَ قد تَسَوَّمَتْ)).
          (ص) ({رِبِّيُّونَ} جُمُوعٌ وَالوَاحِدُ رِبِّيٌّ) قلتُ: هو قول مجاهدٍ وغيره، وقال أبان: الرِّبِّيُّ عشرةُ آلافٍ، وقال ابن زيدٍ: هم الأتباع، وقال الحسن: هم العلماء الصُّبَّرُ كأنَّه أُخذ مِنَ النِّسبة إلى الرَّبِّ، قلت: والرِّبِّيُّون: الرَّبَّانيُّون، وقُرئ بالحركات الثَّلاث بالفتح على القياس والباقي مِنْ تغييرات النَّسب، قال سعيد بن جُبَيْرٍ: ما سمعنا بنبيٍّ قُتل في القتال.
          (ص) ({تَحُسُّونَهُمْ} تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا) أي ذريعًا.
          (ص) ({غُزًّا} وَاحِدُهَا غَازٍ) قلت: وقُرئ بتخفيف الزَّاي على حذف التَّاء مِنْ غزاةٍ.
          (ص) ({سَنَكْتُبُ} سَنَحْفَظُ) أي ما قالوا في صحائف الحفظة أو نستحفظه، أو نُثبته في علمنا كما نثبت المكتوب.
          (ص) ({نُزُلًا} ثَوَابًا، وَيَجُوزُ مَنْزِلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ كَقَوْلِكَ: أَنْزَلْتُهُ) قلتُ: وقُرئ: {نُزْلًا} بالسُّكون، وانتصابُ {نُزُلًا} على الحال مِنْ جنَّاتٍ، ويجوز أن تكون بمعنى مصدرٍ مؤكَّدٍ، كأنَّه قيل: رزقًا وعطاءً مِنَ الله.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} المُطَهَّمَةُ الحِسَانُ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى: الرَّاعِيَةُ) أثرُ مجاهدٍ أخرجه عبدٌ بإسناده إليه، والباقي أخرجه ابنُ جريرٍ عنهما وعن مجاهدٍ أيضًا، وعن غيرهم منهم ابن عبَّاسٍ، وعنه: المعلَّمةُ، وقال ابنُ زيدٍ: المُعدَّة للجهاد، قال الطَّبَريُّ: والأَولى بالصَّواب قول مَنْ قال: المعلَّمة بالشِّياتِ، قال الخليل: والمُطَهَّمُ التَّامُّ الخلقِ، وقال يعقوب: الَّذي يحسن منه كلُّ شيءٍ على حدَّته، مثل الأنف والفم والعين، غيره: وجهٌ مُطَهَّمٌ حسنٌ صبيحٌ.
          (ص) (وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: {حَصُورًا} لَا يَأْتِي النِّسَاءَ) أسندَه عبدٌ عنه، وعن جماعاتٍ: لا يغشى النِّساء. أي يمنعها مِنَ الشَّهوة، وهذا ليس مع العجز فإنَّه نقصٌ، والأنبياء منزَّهون عن النَّقص، قالوا: والسَّيِّدُ الَّذي يغلب غضبَه، وحكاه ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبَّاسٍ وابن جُبَيْرٍ وجماعةٍ.
          (ص) (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {مِنْ فَوْرِهِمْ} [آل عمران:125] مِنْ غَضَبِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ) قلتُ: الفَوْرُ مصدرٌ استُعير للسُّرعة، أي يأتونكم مِنْ ساعتهم هذِه، يمددكم ربُّكم بالبشر.
          (ص): (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} النُّطْفَةُ تَخْرُجُ مَيِّتَةً، وَيُخْرِجُ مِنْهَا الحَيَّ) هذا أسنده ابنُ جَريرٍ عنه، وحكاه أيضًا عن ابن مسعودٍ وجماعاتٍ، وعن عكرمة: هي البيضة تخرج مِنَ الحيِّ وهي ميِّتةٌ، ثُمَّ يُخرِجُ منها الحيَّ، وعن ابن مالكٍ: النَّخلة مِنَ النَّواة، والنَّواة مِنَ النَّخلة، والحبَّة مِنَ السُّنبلة، والسُّنبلة مِنَ الحبَّة، وقال الحسن: يُخْرِج المؤمنَ الحيَّ مِنَ الكافر الميِّت الفؤاد، ويُخْرِج الكافرَ مِنَ المؤمن، قال ابن جَريرٍ: والأولى تأويل مَنْ قال: يُخْرِجُ الإنسانَ الحيَّ والأنعامَ والبهائمَ الأحياءَ مِنَ النُّطفة الميِّتة.
          (ص) (الإِبْكَارُ أَوَّلُ الفَجْرِ، وَالعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ أُرَاهُ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ) هو كما قال، وفي «الكشَّاف»: الإبكار: مِنْ طلوع الشَّمس إلى وقت الضُّحى، وقُرئ: {وَالْأَبْكَارِ} جمع بِكْرٍ، كسِحْرٍ وأسحارٍ.