التوضيح لشرح الجامع البخاري

{إن الصفا والمروة من شعائر الله}

          ░21▒ قَوْلُه: ({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ...}) الآية [البقرة:158]
          (شَعَائِرُ: عَلاَمَاتٌ، وَاحِدَتُهَا: شَعِيرَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّفْوَانُ الْحَجَرُ، وَيُقَالُ: الحِجَارَةُ المُلسُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، وَالوَاحِدَةُ: صَفْوَانَةٌ بِمَعْنَى الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلجَمِيعِ).
          4495- ثُمَّ ساق حديثَ هشامٍ عن أبيه: (قُلتُ لِعَائِشَةَ ♦ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ}...) الحديث، سلف في الحج [خ¦1643]، وكذا حديث أنسٍ الَّذي بعده، وزعم بعضُهم فيما حكاه ابن العربيِّ في «أحكامه» ووهَّاه نسخَ هذِه الآية بقوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة:130] أي إنَّ قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ} إذْنٌ مِنَ الله وإباحةٌ وتخييرٌ في الفعل والتَّرك، وقوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} عزمٌ وجزمٌ وأمرٌ باتِّباع ملَّته في جميع مناسك الحجِّ وهذا منها.
          ومعنى (شَعَائِرِ): ما ذكرَه مِنْ أعلام الله الَّتي تدلُّ على طاعته، وهي ما كان مِنْ موقفٍ أو سعيٍ أو ذبحٍ، و(شَعِيرَةٌ) بمعنى مشعرة، و(الصَّفَا) مقصورٌ: مكانٌ مرتفعٌ عند باب المسجد الحرام، وهو أَنْفٌ مِنْ جبل أبي قُبَيسٍ، وهو الآن درجٌ فوقه أزج كإيوان، كان عليه صنمٌ على صورة رجلٍ يُقال له: إِسَاف بن عمرٍو، وعلى المروة صنمٌ على صورةِ امرأةٍ تُدعى نائلةَ _وعكس مقاتلٌ_ بنت ذئبٍ، ويُقال: بنت سُهيلٍ، زعموا أنَّهما زَنَيا في الكعبة فمُسخا فوُضعا على الصَّفا والمروة للاعتبار، فلمَّا طالت المدَّة عُبدا. وقال عِياضٌ: حوَّلهما قُصَيٌّ فجَعل أحدَهما ملاصق الكعبة والآخر بزمزم، وقيل: جعلهما بزمزم ونحرَ عندهما، فلمَّا فتح رَسُول الله صلعم مكَّة كسرَهما.
          وفي «فضائل مكَّة» لرزين: لمَّا زَنَيا لم يمهلهما الله أن يَفجُرا فيها فمسخَهما فأخرجَهما إلى الصَّفا والمروة، فلمَّا كان عمرو بن لُحَيٍّ نقلَهما إلى الكعبة ونصبَهما على زمزم فطاف النَّاس بالكعبة وبهما.
          والصَّفا واحدٌ، والمثنَّى صَفَوان، والجمع أصفاء.
          وقوله: (الحِجَارَةُ المُلسُ الَّتي لا تُنْبِتُ شَيْئًا) يعني أنَّ الأُخَر الَّتي يكون فيها طرفٌ يأخذ التُّراب تُنْبِتُ، وكذلك الَّتي يكون فيها الشُّقوق.
          وقوله: (وَالوَاحِدَةُ صَفْوَانَةٌ) يريد واحدة صفوان، وأمَّا واحدةُ الصَّفا، فصَفَاةٌ، قاله ابن التِّيْنِ.
          و(الْمَرْوَةَ) الحَصَاة الصَّغيرة يجمع قليلها مَرَواتٍ وكثيرها مروٌ، مثل تمرةٍ وتمراتٍ وتمرٍ، فقال الكفَّار: إنَّه حرج علينا أن نطوف بهما فأنزل الله الآيةَ.