التوضيح لشرح الجامع البخاري

سورة {ق}

          ░░░50▒▒▒ (وَمِنْ سُورَةِ ق)
          هي مكِّيَّةٌ، قال الكَلبيُّ: إلَّا قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ}الآية [طه:130]، وقال ابنُ النَّقيب: إلَّا قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ...} إلى قوله: {لُغُوبٍ} [ق:38] وهو قسمٌ، وقيل: جبلٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خضراءَ محيطٌ بالعالم، وخُضرة السَّماء منه، ليس مِنَ الخلق على خَلقِه شيءٌ، والجبال تنبت منه، فإذا أراد اللهُ زلزلةً أوحى إلى الملَك الَّذِي عنده أن يحرِّك عِرقًا مِنَ الجبل فتتحرَّك الأرضُ الَّذِي يريد، وهو أوَّل جبلٍ خُلق، وبعدَه أبو قُبَيْسٍ، ومِنْ دون ق مسيرة سنةٍ، جبلٌ يُقَالُ له: الحجاب، وما بينهما ظلمةٌ، وفيه تغرب الشَّمسُ، قال تعالى: {حتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] يعني: الجبل، وهو مِنْ وراء الحجاب، وله وجهٌ كوجه الإنسان، وقلبٌ كقلوب الملائكة في الخشية، قال السَّخَاويُّ: ونزلت بعد المرسلات وقبل البلد.
          (ص) ({رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق:3] رَدٌّ) أي إلى الحياة بعد الموت.
          (ص) ({فُرُوجٍ} [ق:6] فُتُوقٍ، وَاحِدُهَا: فَرْجٌ) قلتُ: قال الكِسائيُّ: ليس فيها تفاوتٌ ولا اختلافٌ.
          (ص) (وَرِيدَاهُ فِي حَبْلُهُ، وَالحَبْلُ حَبْلُ العَاتِقِ) قلتُ: فحبلُ الوريد المرادُ به: عِرق الوريد، وهو عِرق الحلق.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ} [ق:4] مِنْ عِظَامِهِمْ...) إلى قوله: ({لُغُوبٌ}) أسندَه ابنُ المُنْذِر مِنْ طريق ابنِ جُرَيْجٍ عنه، وادَّعى ابن التِّينِ أنَّه وقع: (مِنْ أَعْظَامِهِمْ) وأنَّ صوابه: <مِنْ عِظَامِهِمْ>، وكذا هو عند أبي ذرٍّ لأنَّ فَعْلًا _بفتح الفاء وسكون العين_ لا يُجمَعُ على أفعالٍ إلَّا خمسة أحرفٍ نوادرَ، وقيل: مِنْ أجسامهم.
          (ص) ({تَبْصِرَةً} [ق:8] بَصِيرَةً) أي جعلنا ذلك تبصرةً.
          (ص) ({حَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9] الحِنْطَةُ) أي والشَّعيرُ وسائرُ الحبوب الَّتي تحصد، وهذه الإضافة مِنْ باب: مسجدِ الجامع، وحبلِ الوريد، وربيعِ الأوَّل، وحقِّ اليقين ونحوها.
          (ص) ({بَاسِقَاتٍ} [ق:10] الطِّوَالُ) قلتُ: وقيل: في استقامة.
          (ص) ({أَفَعَيِينَا} [ق:15] أَفَعَيَّا عَلَيْنَا) أي لعجزنا عنه وتعذَّر علينا.
          (ص) ({رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] رَصَدٌ) أي حافظٌ حاضرٌ وهو بمعنى المُعدُّ، مِنْ قوله: أعتدنا، والعرب تعاقب بين الياء والدَّال لقرب مخرجيهما.
          (ص) ({سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21] المَلَكَانِ كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ) أي يشهد عليها بما عملت ويكتب، وقيل: سائقٌ يسوقها إلى المحشر، وقيل: السَّائق مِنَ الملائكة، وقيل: شيطانها الَّذِي يكون معها والشَّاهد مِنْ أنفسهم: الأيدي والأرجل، وقيل: العمل، والصَّواب أنَّهما جميعًا مِنَ الملائكة والأنبياء.
          (ص) ({وَقَالَ قَرِينُهُ} [ق:23] الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ) قلتُ: وقال قَتَادة: الملَك المُوكَّل به، وبه جزم الثَّعلبيُّ، / {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} مُحضرٌ.
          (ص) ({فَنَقَّبُوا} [ق:36] ضَرَبُوا) هو قولُ مجاهدٍ، وهو ظاهرُ إيراد البُخاريِّ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: أثرَوا، وقُرِئَ: {نَقبُوا} مخفَّفًا، وكسرها مشدَّدًا.
          (ص) ({أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} [ق:37] لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ) قلتُ: وقيل: استمع القرآن، تقول العرب: ألقِ سمعَك إليَّ، أي استمعْ.
          (ص) ({لُغُوبٌ} [ق:38] النَّصَبُ) أي والإعياء والتَّعب، نزلت في اليهود.
          (ص) ({شَهِيدٌ} [ق:37] شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ) أي خاصَّةً، وقال قَتَادة: وهو شاهدٌ على ما يُقرَأُ ويسمع في كتاب اللَّه مِنْ نعت نبيِّه وذكره.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي غير مجاهدٍ ({نَضِيدٌ} الكُفَُرَّى) أي بفتح الفاء وضمِّها، (مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ) قلتُ: قال مسروقٌ: نخلُ الجنَّة نضيدٌ مِنْ أصلِها إلى فرعِها، وثمرُها مُنضَّدٌ أمثال القِلال والدِّلاء، كلَّما قُطعت منه ثمرةً نبتَتْ مكانها أخرى، وأنهارُها تجري في غير أخدودٍ.
          (ص) ({وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور:49] و{وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40] كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ الَّتي فِي ق وَيَكْسِرُ الَّتي فِي الطُّورِ، وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا وَيُفْتَحَانِ) قلتُ: وافقَ عاصمًا أبو عمرو بن العلاء وابنُ عامرٍ والكِسائيُّ، وخالفَه نافعٌ وابنُ كَثيرٍ وحمزة فكسروها، وقال الدَّاوُديُّ: مَنْ قرأَ {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} بالكسر يقول: عند قفل النُّجوم، ومَنْ قرأ بالفتح يقول: ذهابها.
          فائدةٌ: {سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} قيلَ: حقيقةً مطلقًا أو دُبرَ المكتوبات، وذكره البخاري بعدُ [خ¦4852] عن ابن عبَّاسٍ، وقيل: صلِّ، فقيل: النَّوافلَ أدبارَ المكتوبات، وقيل: الفرائضَ، {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} يعني الصُّبح، {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} يعني العصرَ، وقيل: والظُّهر، وقيل: وركعتين قبل المغرب، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني: صلاةَ العشاءَين، وقيل: صلاةَ اللَّيل، {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} الركعتان بعد المغرب، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الرَّكعتان قبل الفجر، وفيه حديثٌ مرفوعٌ عن ابن عبَّاسٍ.
          (ص) (قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: يَوْمَ الخُرُوج يَخْرُجُونَ مِنَ القُبُورِ) هذا أخرجه ابنُ المُنْذِر مِنْ حديث عَطاءٍ عنه.