التوضيح لشرح الجامع البخاري

الواقعة

          ░░░56▒▒▒ (سُورَةُ الوَاقِعَةِ)
          هي مكِّيَّةٌ، واختُلف في {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة:27]، وفي {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} [الواقعة:81] والأُولى نزلت في أهل الطَّائف، وإسلامُهم بعد الفتح وحُنينٍ، والثَّانيةُ نزلت في دعائه بالسُّقيا، فقيل: مُطرنا بنوءِ كذا، فنزلت: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة:82]، وكان عليٌّ يقرؤها: {وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ}، وفي حديثِ ابنِ مَسْعودٍ مرفوعًا: ((مَنْ قرأها أبدًا لم تُصبْه فاقةٌ أبدًا))، وفي روايةٍ: ((مَنْ قرأَها كلَّ ليلةٍ لم تُصبْه فاقةٌ أبدًا)).
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتْ} [الواقعة:4] زُلْزِلَتْ {بُسَّتِ} [الواقعة:5] فُتَّتْ ولُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ) هذا أسندَه ابنُ المُنْذِر عن عليٍّ حدَّثَنا زيدٌ حدَّثَنا ابن ثَوْرٍ عن ابن جُرَيْجٍ عنه.
          وقوله: (زُلْزِلَتْ) يريدُ اضطربَت وتحرَّكَت، وَيُروَى أنَّها تزلزل حتَّى ينهدم ما فوقها.
          وقوله: (يُلَتُّ) رُوِيَ أيضًا عن مجاهدٍ: يبس، وقال قَتَادة: كما يبس الشجر تذروه الرِّياح يمينًا وشمالًا، ومعنى بُسَّت ولُتَّت واحدٌ بأن يَجعلَ فيه ماءً قليلًا.
          (ص) (وَالْعُرُبُ: المُحَبَّبَاتُ إلى أَزْوَاجِهِنَّ) قد سلف في صفة الجنَّة [خ¦59/8-5029]، وأسندَه عن مجاهدٍ أيضًا عبدُ بنُ حُميدٍ عن شَبَابة عن وَرقاءَ عن ابن أبي نَجِيحٍ عنه، وكذا ذكرَه عن عكرمة، وفي روايةٍ عنه: المغنوجات، وقال الحسنُ: المتعشِّقات لبُعولتهنَّ، وكذا قالَه الرَّبيع بن أنسٍ، وفي روايةٍ عن الحسن: العرائسُ، وقال تميمُ بنُ حَذْلمٍ صاحبُ ابنِ مَسْعودٍ: العَرِبةُ الحَسَنةُ التَّبعُّل، وقال ابنُ جُبَيرٍ: يشتهين أزواجهنَّ، وعن ابنِ عبَّاسٍ: العُرُبُ تقول للنَّاقة إذا أرادت الفحلَ: العَرِبة، أي الغَنِجَة، وقيل: الضَّحَّاكة الطَّيِّبة النَّفس، وهي متقاربةٌ.
          (ص) (المَخْضُودُ: المُوقَرُ حَمْلًا، وَيُقَالُ أَيْضًا: لَا شَوْكَ لَهُ، المَنْضُودُ: المُوْزُ) سلف في صفة الجنَّة [خ¦59/8-5029].
          (ص) ({ثُلَّةٌ} [الواقعة:13] أُمَّةٌ) قلتُ: وقيل: فرقةٌ، وقال الحسن: {ثُلَّةٌ} ممَّن قد مضى قُبيل هذا، {وَقَلِيلٌ} [الواقعة:14] مِنْ أصحاب مُحمَّدٍ، وقال مجاهدٌ: الكلُّ مِنْ هذه الأمَّة.
          (ص) ({يَحْمُومٍ} [الواقعة:43] دُخَانٌ أَسوَدُ) أي شديد السَّواد، وقيل: نارٌ، واليَحْموم لغةً: الأسوَدُ.
          (ص) ({يُصِرُّونَ} [الواقعة:46] يُدِيمُونَ) قلتُ: وقيل: كانوا يُقْسِمون ألَّا بعثَ، وأنَّ الأصنامَ أندادٌ للَّهِ، تعالى عن ذلك.
          (ص) ({الْهِيمِ} [الواقعة:55] الإِبِلُ العطاش الظِّمَاءُ) أي التي لا تَروى، والهيماء: النَّاقة الَّتي بها الهُيَام، وقيل: الهِيمُ: الرَّمل.
          (ص) ({لَمُغرَمُونَ} [الواقعة:66] لَمُلْزَمُونَ) قلت: وقيل: مُعذَّبون، وقيل: مُهلكون، وقيل: لمُلقَّون شرًّا، وهذه متقاربةٌ.
          (ص) (رَوْحٌ جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ) أسلفَه في صفة الجنَّة [خ¦59/8-5029] عن مجاهدٍ أيضًا، قلتُ: وقُرِئَ: {رُوْحٌ} بالضَّمِّ على معنى أنَّ رُوحَه تخرجُ في الرَّيحان، قاله الحسن، وقال قَتَادة: الرَّوحُ الرَّحمة، وقيل: معناه: فحياةٌ وبقاءٌ لهم.
          ثُمَّ قال البخاريُّ: (وَالرَّيْحَانُ الرِّزْقُ) وقد سلف في الباب قبله، وقيل: إنه المَشموم.
          (ص) ({ونُنْشِئكُم} [الواقعة:61] فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ) هذا أخرجه عبدُ بن حُميدٍ عن شَبَابة عن وَرقاءَ عن ابن أبي نَجِيحٍ عنه.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ: / {تَفَكَّهُونَ} [الواقعة:65] تَعْجَبُونَ) أي ممَّا نزلَ بزرعِهم، وهو قولُ قَتَادة، وقيل: تحرثون، وهو مِنَ الأضداد، تفكَّهتُ تنعَّمتُ، وتفكَّهتُ حزنتُ، وقال الفرَّاء: تفكَّهون وتفكَّنون واحدٌ، والنُّون لغةُ عُكل، وقيل: التَّفكُّهُ التَّكلُّمُ فيما لا يعنيك، ومنه قيل للمزاح: فُكاهةٌ.
          (ص) ({عُرُبًا} [الواقعة:37] مُثَقَّلَةً وَاحِدُهَا...) إلى آخره، أسلفَه برمَّته في باب: صفة الجنَّة [خ¦59/8-5029].
          (ص) (وَقَالَ فِي {خَافِضَةٌ} [الواقعة:3] لِقَوْمٍ إِلَى النَّارِ، وَ{رَافِعَةٌ} إِلَى الجَنَّةِ) قلتُ: وقال مُحمَّد بن كعبٍ: خَفضَتْ أقوامًا كانوا في الدُّنيا مرتفِّعين، ورَفعت أقوامًا كانوا في الدُّنيا منخفضين.
          (ص) ({مَوْضُونَةٍ} [الواقعة:15] مَنْسُوجَةٍ...) إلى قوله: ({مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45]) سلف في الباب المذكور [خ¦59/8-5029].
          (ص) ({مُتْرَفِينَ} مُنَعَّمِيْنَ) يريد بالحرام.
          (ص) ({ما تُمْنُونَ} [الواقعة:58] هِيَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ) قلتُ: وقرأ أبو السِّماك بفتح التَّاء، وهما لغتان.
          (ص) ({لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:73] لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: القَفْرُ) أي النَّازلين في الأرضِ الخاليةِ البعيدةِ مِنَ العُمران والأهلين، يُقَالُ: أقوت الدَّار إذا خلت مِنْ سكَّانها، هذا قول الأكثر، وقال مجاهدٌ: للمستمتعين بها مِنَ النَّاس أجمعين، المسافرين والحاضرين، وقال الحسن: بُلْغةً للمسافرين.
          (ص) ({بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] بِمُحْكَمِ القُرْآنِ، ويُقَالُ: بِمَسْقَطِ النُّجُومِ إِذَا سَقَطْنَ، وَمَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ) روى الأوَّل عبدُ بنُ حُميدٍ عن ابنِ عبَّاسٍ، يريدُ أنَّ القرآنَ أُنزل إلى سماءِ الدُّنيا نجومًا، والثَّاني عن مجاهدٍ، وعن الحسن: مواقعُها انكدارُها وانتشارُها يومَ القيامة، وفي لفظٍ: بمغايبها، وقيل: بمطالعها ومغاربها، وهو المراد بقوله، (وَيُقَالُ: بِمَسْقَطِ النُّجُومِ)، وقوله: (مَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ) هما قراءتان، قرأ حمزة والكسائيُّ وخلفٌ {بِمَوْقِعِ} على الواحد، والباقون: {بِمَوَاقِعِ} على الجمع، وهو الاختيار.
          (ص) ({مُدْهِنُونَ} [الواقعة:81] مُكَذِّبُونَ) هو قولُ ابن عبَّاسٍ (مِثْلُ: {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9]). قلتُ: وقيل: غاشُّون، وقيل: مِنَ اللِّين والضَّعف.
          (ص) ({فَسَلَامٌ لَكَ} [الواقعة:91] أَيْ مُسَلَّمٌ لَكَ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ) أي فلستَ ترى فيهم إلَّا السَّلامة، وقد عَلم ما وعدوه أوَّل السُّورة، (وَأُلْقِيَتْ) وَيُروَى بالغين بدل القاف (إِنَّ وَهُوَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقُول: أَنْتَ مُصَدَّقٌ مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ، وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ كَقَوْلِهِ: فَسَقْيًا لَكَ) بفتح السِّين كما ضبطه ابن التِّينِ، وبخط الدِّمْياطيِّ ضمُّها (مِنَ الرِّجالِ) أي سقاهُ اللَّهُ، (إِنْ رَفَعْتَ السَّلاَمَ فَهْوَ مِنَ الدُّعَاءِ) قلتُ: سَلامٌ لك رُفِعَ على معنى سلامٍ، أي سلامةٌ لك يا مُحمَّد منهم فلا تهتمَّ لهم كأنَّهم سلموا مِنَ العذاب، وقال الفرَّاء: يسلم لك أنَّهم مِنْ أصحاب اليمين، وقيل: سلامٌ عليك مِنْ أصحاب اليمين.
          (ص) ({تُورُونَ} [الواقعة:71] تَسْتَخْرِجُونَ) أي مِنْ زَنْدِكم، (أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ) أي قدحت فأوقدت.
          (ص) ({لَغْوًا} [الواقعة:25] بَاطِلًا، {تَأْثِيمًا} كَذِبًا) وهو ظاهرٌ.