التوضيح لشرح الجامع البخاري

{هل أتى على الإنسان}

          ░░░76▒▒▒ (سُورَةُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان:1])
          هو آدم أو الكلُّ، وهي مكِّيَّةٌ كما جزم به الثَّعلبيُّ، ونقل ابنُ النَّقيب عن الجمهور أنَّها مدنيَّةٌ، قلتُ: وقال قَتَادة وآخرون: مكِّيَّةٌ، وعن الكلبيِّ: إلَّا آياتٍ / {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ...} إلى: {قَمْطَرِيرًا} [الإنسان:8-10] وعن الحسن إلَّا: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان:24] وجاءت آثارٌ أنَّها نزلت بالمدينة في شأن عليٍّ وفاطمة وابنَيْها، وهى مضطربةٌ لا تثبت، وأنكر أن يكون لفاطمة شعرًا، وقال مقاتلٌ: نزل: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ} في أبي الدَّحداح الأنصاريِّ، وهو نقضٌ لقوله: إنَّها كلَّها مكِّيَّةٌ، قال السَّخَاويُّ: ونزلت بعد سورة الرَّحْمن وقبل الطَّلاق.
          (ص) (قَالَ يَحْيَى: مَعْنَاهُ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ، وَ{هَلْ} تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الخَبَرِ، يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إلى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحَ) (يَحْيَى) هذا هو أبو زكريَّا يحيى بن زياد بن عبد اللَّه بن منصورٍ الفرَّاء، صاحبُ «معاني القرآن»، وقوله: إنَّها (تَكُونُ جَحْدًا) فيه تجوُّز، وإنَّما الاستفهام في الحقيقة استعلامٌ للفائدة واستطلابها ممَّن يعلمها، وقال سِيبويهِ والكِسائيُّ والفرَّاء: {هَلْ} بمعنى قد، وقال ابنُ كيسان: يجوز أن تكون على بابها، أي كما يُقَالُ: هل كُفيت في أمرك، وقوله: (يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا...) إلى آخره، هو ردٌّ على المعتزلة حيث قالوا: كان شيئًا ولم يكن مذكورًا، فعندهم يُطلق الشَّيء على المعدوم.
          (ص) ({أَمْشَاجٍ} [الإنسان:2] أَخْلَاطٍ، مَاءُ المَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُل، الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ، ويُقَالُ إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ، وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ) قلتُ: وقال ابنُ مَسْعودٍ: أمشاجٌ نطفةٌ دمٌ علقةٌ مضغةٌ، وقيل: هو اختلاطٌ بالدَّم، وواحد الأمشاج مشيجٌ، أي بفتح الميم وكسرها، ومشيجٌ ذكره ابنُ سِيْده، قال: والمشيجُ كلُّ لونين اختلطا، وقيل: هو ما اختلط مِنْ حمرةٍ وبياضٍ، وقيل: كلُّ شيئين مختلطين.
          (ص) (وَيُقرَأُ: {سَلَاسِلًا وَأَغْلَالًا} وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ) أي: فقرأ: {سَلَاسِلَ}.
          (ص) ({مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:7] مُمْتَدَّ البَلاَء) أي فاشيًا، يُقَالُ: استطارَ الصَّدعُ في الزُّجاجة، واستطالَ إذا امتدَّ.
          (ص) (وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ، يُقَالُ: يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ ويوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالْعَبُوسُ وَالْقَمْطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ وَالْعَصِيبُ: أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الأَيَّامِ فِيِ البَلاَءِ) زاد غيرُه: وعَصَبْصَبٌ، و(قُمَاطِرٌ) بضمِّ القاف.
          (ص) (وَقَالَ مَعْمَرٌ: {أَسْرَهُمْ} [الإنسان:28] شِدَّةُ الخَلْقِ) أخرجه عبدُ بنُ حُميدٍ عن عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ عن قَتَادة، وذكره عن مجاهدٍ وغيرِه بنحوه، ثُمَّ قال البخاريُّ: (وَكُلُّ شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ أَوْ غَبِيطٍ فَهُوَ مَأْسُورٌ) والغَبيط _أي بالغين المعجمة_ شيءٌ تركبُه النِّساء شبه المِحفَّة، قلتُ: ومنه قول امرئ القيس:
تَقُوْلُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيْطُ بِنَا معًا                     عَقَرْتَ بَعِيْرِي يَا امْرَأَ القَيْسِ فانْزلِ
          وهو الموضعُ الَّذِي يُوطأ للمرأة على البعير كالهودج.