التوضيح لشرح الجامع البخاري

{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا}

          ░11▒ قوله: ({قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة:136])
          4485- ذكر فيه حديثَ أبي هريرة ☺ / قال: (كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلعم: لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولُوا: {آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ...} الآية[البقرة:136]).
          هو مِنْ أفراده، ويأتي في الاعتصام [خ¦7362] والتَّوحيد [خ¦7541].
          وسببُ الإمساك عن ذلك كونهم حرَّفوا بعضًا وكتموا بعضًا، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ...} الآية[آل عمران:187] كتموا ما أُنزل إليهم في مُحمَّدٍ، وهذا الحديث أصلٌ في وجوب التَّوقُّف في كلِّ مشكلٍ مِنَ الأمور والعلوم، فلا يُقضى عليه بجوازٍ ولا بطلانٍ ولا بتحليلٍ ولا تحريمٍ، وقد أُمرنا أن نؤمن بالكتُب المنزلة على الأنبياء، إلَّا أنَّ اليهود والنَّصارى حرَّفوا وبدَّلوا، ولا نعلم ما يأتون به صحيحٌ أو محرَّفٌ مبدَّلٌ فوجب التَّوقُّفُ عن تصديقِ ذلك وتكذيبِه.
          وعلى هذا المعنى كان توقُّف السَّلف عن بعض ما أُشكل عليهم مِنَ الأحكام وتعليقهم القولَ فيه، كما سُئل عثمان ☺ عن الجمع بين الأختين بمُلك اليمين، فقال: أحلَّتهُما آيةٌ وحرَّمتهُما آيةٌ، وكما سُئل ابنُ عمرَ _☻_ عن رجلٍ نذرَ أنْ يصوم كلَّ يومِ اثنين فوافق ذلك يومَ عيدٍ، فقال: أمر الله بالوفاء بالنَّذر ونهى رسولُه عن صيام يوم العيد، فهذا مذهب مَنْ سلك طريق الوَرَعِ منهم، وإن كان غيرهم قد اجتهدوا واعتبروا معانيَ الأصول فرجَّحوا أحد المذهبين على الآخر، وكلٌّ على ما يَنويه مِنَ الخير، وقد سُئل عليٌّ عن الجمعِ بين الأُختين بملكِ اليمين فحرَّمه، وإليه ذهب أكثر الفقهاء، وكأنَّ معنى حرَّم ذلك أنَّ المراد بإحدى الآيتين بيانُ ما حُرِّم علينا أو تفصيلُه، والمراد بالأخرى مدح المؤمنين على حُسن الانقياد لما أُمروا به والانتهاء عن ما نُهوا عنه مِنْ غير تفصيلٍ ولا تعيينٍ ولأنَّ إحدى الآيتين أخصُّ في المعنى، وهو قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} والأُخرى أعمُّ، وهي: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فقضَوا بالأخصِّ على الأعمِّ.