التوضيح لشرح الجامع البخاري

{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم} الآية

          ░39▒ قوله: ({نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ...}) إلى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:223]
          4526- 4527- ذكر فيه عن إسحاقَ: (أخبرنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ ☻ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَرَأَ سُورَةَ البَقَرَةِ حتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ، قَالَ: تَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ؟ قُلتُ: لَا، قَالَ: نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ مَضَى).
          (وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ نافعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] قَالَ: يَأْتِيهَا فِي. رَوَاهُ مُحمَّد بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ).
          4528- ثُمَّ ذكر فيه حديثَ جابرٍ ☺: (كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]).
          الشَّرح: (إِسْحَاقُ) شيخ البُخاريِّ هو <ابْنُ إِبْرَاهِيمَ> كما نسبه ابن السَّكَن، وقال أبو نُعَيْمٍ لَمَّا رواه عن أبي أحمد: حدَّثَنا عبدُ الله بن مُحمَّدٍ، حدَّثَنا إسحاقُ بن إبراهيم، أخبرنا النَّضْر، قال: رواه _يعني البُخاريَّ_ عن إسحاق بن إبراهيم، وزعم خلفٌ أنَّ البُخاريَّ رواه عن عبد الصَّمد، وكذا قال أبو نُعَيْمٍ في «مستخرَجه».
          وقوله: (رَوَاهُ مُحمَّد بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) زعم خلفٌ أنَّ البُخاريَّ رواه تعليقًا عن مُحمَّدٍ هذا، ورواه أبو نُعَيْمٍ عن أبي عمرو بن حمدان، حدَّثَنا الحسن بن سفيان، حدَّثَنا أبو بكرٍ الأَعْيَن، حدَّثني مُحمَّد بن يحيى بن سعيدٍ عن أبيه به، وزَعم ابنُ طاهرٍ أنَّ مُحمَّدًا هذا ممَّن انفرد به البُخاريُّ، وأَباهُ ابنُ عساكرَ فمَنْ بعدَه فذكرَه في شيوخِ مسلمٍ.
          وحديث ابن عمرَ ☻ مِنْ أفراده.
          وحديث جابرٍ أخرجه مسلمٌ أيضًا، وله في طريقٍ آخر عن الزُّهْريِّ، مِنْ أفراد مسلمٍ: إن شاءَ مُجَبِّيَةً وإن شاءَ غيرَ مُجَبِّيَةٍ، غيرَ أنَّ ذلك في صِمَامٍ واحدٍ. ويحتمل كما قال الدَّاوُديُّ: أنَّها نزلت في الوجهين، وصحَّح الحاكم حديثَ ابن عبَّاسٍ ☻ أنَّ هذا الحيَّ مِنْ قريشٍ كانوا يشرحون النِّساء بمكَّةَ ويتلذَّذون بهنَّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ، فلمَّا قدِموا المدينة تزوَّجوا مِنَ الأنصار، فذهبوا ليفعلوا ذلك بهنَّ فأنكرنَ ذلك، فانتهى الحديثُ إلى رَسُولِ الله صلعم، فأنزل الله الآيةَ قال: ((إنَّ شِئتَ مُقبلةً أو مُدبرةً، وَإِنْ شئتَ بارِكةً)) وإنَّما يعني بذلك موضعَ الولد. وعند الواحديِّ: جاء عمرُ إلى رَسُول الله صلعم فقال: هلكتُ، فقال: ((وما أهلكَك؟)) قال: حوَّلتُ رحلِي اللَّيلةَ، فأوحى الله إلى رسوله الآية، يقول: (أَقبِلْ وأدبرْ واتقِّ الدُّبرَ والحيضَ)، وقال ابن المسيِّب: أُنزلت الآية في العزل. وللطَّبَريِّ: أنَّ ناسًا مِنْ حِمْير أتَوا رَسُولَ الله صلعم فقال رجلٌ منهم: يا رَسُول الله، إنِّي رجلٌ أحبُّ النِّساء، فكيف ترى ذلك؟ فنزلت. وعند مقاتلٍ: قال حُيَيُّ بن أَخطب ونفرٌ مِنَ اليهود للمسلمين: إنَّه لا يحلُّ لكم جماعُ النِّساء إلَّا مُستلقِياتٍ، وإنَّا نجد في كتاب الله أنَّ جماعَ المرأة غيرَ مستلقيةٍ دنسٌ عند الله، فنزلت.
          وعن ابن عبَّاسٍ ☻: الحَرثُ مَنبَت الولد، وقال السُّدِّيُّ: هي مزرعةٌ يحرث فيها.
          واختُلف في قوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} فقيل: كيف، وقيل: متى، وقيل: إن شئتم فاعزلوا أو ذَرُوا، وقيل: حيث شئتم، ذكره الطَّبَريُّ، ثُمَّ ساق عن يعقوب حدَّثَنا ابن عُلَيَّة حدَّثَنا ابن عَونٍ عن نافعٍ قال: كان ابن عمر يقول: نزلت هذِه الآية في إتيان النِّساء في أدبارهنَّ، ثُمَّ ساق عن ابن عَونٍ أيضًا مثلَه، ثُمَّ ساق عن أبي قِلَابة عن عبد الصَّمد كما سلف نحوه، وروى مالكٌ عن ابن عمرَ أنَّه قال: أفٍّ أفٍّ، أَوَيَفعل ذلك مؤمنٌ؟!
          وجمهور السَّلف وأئمَّة الفتوى على التَّحريم ولا عبرة بمَنْ خالف، وفيه عدَّة أحاديثَ فوق العشرة، صحَّح ابن حَزْمٍ منها حديثَ ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: ((لا ينظرُ الله إلى رجلٍ أتى رجلًا أو امرأةً في دبرِهما)) وحديث خُزَيْمة مرفوعًا: ((إنَّ الله لا يستحيي مِنَ الحقِّ، لا تأتوا النِّساء في أدبارهنَّ))، ثُمَّ قال: هما صحيحان تقوم بهما الحجَّة ولو صحَّ خبرٌ في إباحة ذلك لكانا ناسخين، وقد جاء تحريمُه عن عدَّةٍ مِنَ الصَّحابة وغيرهم، وما رُوي إباحة ذلك عن أحدٍ إلَّا عن ابنِ عمر وحدَه باختلافٍ عنه، عن نافعٍ باختلافٍ عنه، وعن مالكٍ باختلافٍ عنه فقط.
          قلت: وجاء عنه إنكارُه، ويؤيِّد الجمهورَ ردُّها بالرَّتق والقرن ولو ساغ الانتفاع بغيره لما ردَّت.