التوضيح لشرح الجامع البخاري

{والفجر}

          ░░░89▒▒▒ (سُورَةُ الْفَجْرِ)
          هي مكِّيَّةٌ، وقيل: مدنيَّةٌ، حكاه ابنُ النَّقيب عن عليِّ بن أبي طلحة.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {والوَتْرِ} [الفجر:3] اللَّهُ) أخرجه ابن أبي حاتمٍ عن عُبيد اللَّه بن موسى عن إسرائيل عن أبي يحيى عنه: الشَّفع الزَّوج، والوتر اللَّه، وذكر بعدَه أعني البُخاريَّ: (كُلُّ شَيءٍ خَلَقَه فَهُوَ شَفْعٌ، السَّمَاءُ شَفعٌ والوتر اللَّه) وفيها أقوالٌ أخر، قيل: يوم النَّحر ويوم عرفة، وقيل: الصَّفا والمروة والبيت، وقيل: القرآن والأفراد، وقيل: الصَّلاة، وفيه حديثٌ في التِّرْمِذيِّ غريبٌ عن عِمران، وقيل: العدد، وقيل: اللَّه مع خلقه، وقيل: الشَّفع آدم وحوَّاء، وقيل: الشَّفع التَّعجيل مِنْ منًى والوتر مَنْ تأخَّر، وزيَّفَه الطَّبَريُّ، وقيل: المغرب فيها شفعٌ ووترٌ.
          {وَالْوَِتْرِ} بفتح الواو وكسرها قراءتان.
          (ص) ({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:7] القَدِيمَةِ، وَالْعِمَادُ: أَهْلُ عَمُودٍ لَا يُقِيمُونَ) أخرجه ابنُ جريرٍ عن مجاهدٍ، ومعنى (لَا يُقِيمُونَ) ينتجعون لطلب الكلأ، وهي قبيلةٌ، وهي عادٌ الأولى، وكانوا بادية أهل عمدٍ، وقيل: هي مدينةٌ، فقيل: بناها إِرَم في بعض صحارى عدن في ثلاث مئة سنةٍ صفةَ الجنَّة، فلما تمَّت سارَ إليها بجنوده، فجاء بهم قبل وصولهم إليها بيومٍ وليلةٍ صيحةٌ مِنَ السماء فهلكوا، وقيل: هي مدينة الاسكندرية، وقيل: مدينة دمشق، يُقَالُ: وجد منها أربع مئة ألف عمودٍ وبانيها جَيْرُون بن سعيدٍ، وقيل: دمشقش غلام نمرودُ الجبَّار، وفيه نظرٌ، وقال مجاهدٌ: إِرَمَ أُمَّةٌ، وقال ابن إسحاق: عاد بن إِرَم بن غوص بن سام بن نوحٍ، وقال ابن إسحاق: إرم هالكٌ، وقال مرَّةً: كانوا طوالًا مثل العماد، طول أحدهم مئة ذراعٍ، وأقصرهم اثنا عشرَ ذراعًا، وصوَّب الطَّبَريُّ أنَّ إِرَم اسم قبيلةٍ مِنْ عادٍ، وقيل: هو أبو عادٍ، وقيل: العماد البستان الطَّويل، وذكر الدَّاوُديُّ أنَّ العماد هي الَّتي تدخل في البناء، وهي السَّواري.
          (ص) ({سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13] الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ) قلتُ: وهو على الاستعارة لأنَّ السَّوط عندهم غاية العذاب فجرى ذلك لكلِّ عذابٍ، قال قَتَادة: يعني لونًا مِنَ العذاب صبَّه عليهم، وقال ابن زيدٍ فيما حكاه ابنُ جريرٍ: العذابُ / الَّذِي عذَّبهم به سماه {سَوْطَ عَذَابٍ}، ولعلَّ هذا هو المراد بقوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ) حيث ذكره بعدُ وكرَّره وزاد: (يَدْخُلْ فِيهِ السَّوطُ).
          (ص) ({أَكْلًا لَمًّا} [الفجر:19] السَّفُّ، وَ{جَمًّا} [الفجر:20] الكَثِيرُ) قلتُ: وقال بعدُ: ({لَمَّا} لَمَمْتُهُ أَجْمَعَ أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِ) والأوَّل قولُ مجاهدٍ والثَّاني قولُ ابن عبَّاسٍ، قال ابنُ عبَّاسٍ: {لَمًّا} شديدًا، حكاه ابن جريرٍ، وعبارة أبي عُبيدة: لَمَمْتُ ما على الخِوَان إذا أتيتُ ما عليه وأكلتُه كلَّه أجمع، مِنْ قولك: لَمَمْتُ الشَّيءَ إذا جمعتُه، قال أبو زيدٍ: وسَفِفتُ الدَّواءَ أَسَفُّه سَفًّا، وسَفِفْتَ الماءَ إذا أكثرتُ مِنْ شربه مِنْ غير أن تَرْوى، قال الحسن: يأكل نصيبَه ونصيبَ غيرِه، وقال غيره: لا يسأل عن وجهِه، والجمُّ: الكثير كما ذكر، يُقَالُ: جمَّ الماءُ في الحوض إذا كثر واجتمع.
          (ص) ({لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14] إِلَيْهِ المَصِيرُ) أي فلا محيص عنه، وقال ابن عبَّاسٍ: بحيث يرى ويسمع.
          (ص) ({تَحَاضُّونَ} [الفجر:18] تُحَافِظُونَ، وَ{تَحُضُّونَ} تَأْمُرُونَ بِإِطْعَامِهِ) قلتُ: وهما قراءتان في السَّبعة، والثَّاني: بالتَّاء وبالياء، وعن الكسائيِّ ضمُّ التَّاء في الأوَّل.
          (ص) ({الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27] المُصدِّقَةُ بِالثَّوَابِ) أي الموعود، وقال الحسنُ: إذا أرادَ اللَّه قبضَها اطمأنَّت إلى اللَّه واطمأنَّ اللَّه إليها ورضيت عن اللَّه و♦، فأمر بقبض روحها وأدخله اللَّه الجنَّة وجعله مِنْ عباده الصَّالحين، أخرجه ابن أبي حاتمٍ مِنْ حديث حفصٍ عنه.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ {جَابُوا} [الفجر:9] نَقَبُوا، جبتُ القَمِيصَ: قَطَعْتُ لَهُ جَيْبًا، يَجُوبُ الفَلاَةَ يَقْطَعُهَا) أراد بغيره _واللَّه أعلم_ قَتَادة، رواه عبدُ بن حُميدٍ عن يونس عن شيبان عنه، أي نحتوا الصَّخر، وقال مجاهدٌ: خرقوا الجبال فجعلوا فيها بيوتًا.