التوضيح لشرح الجامع البخاري

{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}

          ░30▒ قوله: ({وَقَاتِلُوهُمْ حتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193]).
          4513- 4514- 4515- ذكر فيه حديثَ نافعٍ عن ابن عمر ☻: (أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيرِ فَقَالَ: إِنَّ النَّاس قَدْ ضُيِّعُوا، وَأَنْتَ ابنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ رَسُول الله صلعم، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ دَمَ أَخِي، قَالَا: أَلَمْ يَقُلِ الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193]؟ فَقَالَ: قَاتَلنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ الله.
          وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي فُلاَنٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ بكرِ بن عَمْرٍو المَعَافِرِيِّ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ...) الحديث.
          والمرادُ بالفتنة في الآية الشِّركُ كما قاله ابن عبَّاسٍ وغيره، و({يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}) أي يخلص التَّوحيد للهِ، قاله ابن عبَّاسٍ أيضًا، وعبارة قَتَادةَ وغيرِه: حتَّى يقولوا: لا إله إلَّا الله، وعبارةُ الحسن وزيد بن أسلم: حتَّى لا يُعبد إلَّا الله، والظَّالم مَنْ أبى أن يقول: لا إله إلَّا الله، قاله قَتَادة وعِكرمة، وعن الرَّبيع: هم المشركون، وأضمرَ بعضُهم في قوله: {فَإِنِ انْتَهَوْا} أي انتهى بعضُهم {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} منهم، وأباه بعضُهم، وهذا على وجه المجازاة لمَّا كان مِنَ المشركين الاعتداء، يقول: افعلوا بهم مثلَ الَّذي فَعلوا بكم.
          والرَّجلان اللَّذان أتياه هما مِنْ أهل العراق، و(فُلَانٌ) المذكور هو عبد الله بن لَهِيعة المصريُّ القاضي، فيما ذكره بعض الحفَّاظ، والرَّجل في قوله: (أنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ) وقال بعدَه: (قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ...}) ذكر الحُمَيْديُّ أنَّ البُخاريَّ سمَّاه حَكَمًا.
          وقوله: (وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلعم وَخَتَنُهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ) فيه دِلالةٌ أنَّ الزَّوجَ يُسمَّى خَتَنًا، قال ابنُ فارسٍ: الخَتَن أبو الزَّوجة. وقال الأصمعيُّ: إنَّ الأَخْتَانَ مِنْ قِبَل المرأة، والأحماء مِنْ قِبل الزَّوج، وكذا قال ابنُ قُتيبة: كلُّ ما كان مِنْ قِبل الزَّوج مثلَ الأب والأخ فهم الأَحْماء، وكلُّ مَنْ كان مِنْ قِبل المرأة فهم الأَخْتانُ، والصِّهر يجمع ذلك كلَّه.
          وقوله: (هَذَا بَيْتُهُ) يريد بينَ أبيات النَّبِيِّ صلعم يشير إلى قربه مِنْ رَسُول الله صلعم.