التوضيح لشرح الجامع البخاري

سورة يوسف

          ░░░12▒▒▒ (وَمِنْ سُورَةِ يُوسُفَ ◙).
          هي مكِّيَّةٌ إلَّا أربعَ آياتٍ، ثلاثٌ في أوِّلها: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف:7] وسبب نزولِها سؤالُ اليهود عن أمرِ يعقوب ويوسف، أو تسليةٌ له عمَّا يفعل به قومُه بما فعل إخوة يوسف به، وقال سعد بن أبي وقَّاصٍ: نزلت: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] فتلاها عليهم زمانًا، فقالوا: يا رَسُول الله لو حدَّثتنا، فنزلت: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا} [الزمر:23] أخرجَه الحاكم وقال: صحيح الإسناد.
          (ص) (وَقَالَ فُضَيْلٌ عن حُصَينٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {مُتَّكَأً}، الأُتْرُنَّجُ قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُنَّجُ بِالحَبَشِيَّةِ مُتْكًأ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: مُتْكًا كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ).
          التَّعليق الأوَّل أخرجه ابن المُنْذر عن يحيى بن مُحمَّد بن يحيى، حدَّثَنا مسَدَّدٌ، حدَّثَنا يحيى بن سعيدٍ عن فُضَيل بن عياضٍ عن حُصينٍ به، وتعليق ابن عُيَينةَ أخرجه في «تفسيره»، وتعليق فُضَيلٍ الثَّاني أخرجه أبو مُحمَّدٍ عن أبيه عن إسماعيل بن عثمان حدَّثَنا يحيى بن يمانٍ عنه، وقال مجاهدٌ: المتَّكَأُ مثقَّلٌ: الطَّعامُ، ومخفَّفٌ: الأُتْرُنَّجُ، ذكره ابن أبي حاتمٍ، وضبطَه ابن التِّيْنِ عنه في البُخاريِّ بضمِّ الميم مخفَّف، ثُمَّ قال: وعنه مثقَّلًا: الطَّعام، وعند القُرْطُبيِّ مخفَّف غير مهموزٍ: هو الأُتْرجُّ بلغة القِبْط، وقيل: المتَّكَأُ كلُّ ما اتُّكِئَ عليه، وقيل: مجلسٌ يُتَّكأُ فيه.
          وقال البُخاريُّ بعد ذلك: (وَالمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ، وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ: الأُتْرُنَّجُ أنَّه لَيْسَ فِي كَلاَمِ العَرَبِ الأُتْرُنَّجُ، فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ المُتْكُ سَاكِنَة التَّاءِ، وَإَنَّمَا المُتْكُ طَرَفُ البَظْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ المَتْكَاءِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ المُتَّكَإ).
          قلتُ: ودعوى أنَّ ذلك ليس في كلام العرب مِنَ الأعاجيب، فقد قال في «المحكم»: المتكُ الأُتْرجُّ، وقيل: الزُّمَاوَرْد، وهو ما في «الصِّحاح» عن حكاية الفرَّاء، وعن الأخفش: هو الأُتْرجُّ، وقال في «الجامع»: المُتكُ الأُتْرجُّ، وأنشد عليه شعرًا، واحدُه مُتْكةٌ، وأهل عُمان يُسمُّون السَّوسن المُتْكَ، وأمَّا أبو حَنيفةَ الدِّيْنَوريُّ فزعم أنَّ المُتك _بالضَّمِّ_ الأُتْرُجُّ، قال: وقرأ قومٌ هذا الحرف بالإسكان، وقالوا: هو الأُتْرُجُّ، وكذلك قال ابن عبَّاسٍ، وذكر أنَّ الَّذي بالفتح هو السَّوسن، وبنحوه ذكرَه أبو عليٍّ القاليُّ وابن فارسٍ في «المجمَل» وغيرهما.
          وقوله: (وَابْنُ المَتْكَاءِ) قيل: هي الَّتي لم تُخفَض، وقيل: هي الَّتي لا تَحبِس بولَها، وذُكر أنَّ عمرو بن العاصي كان في سفرٍ فغنَّى، فاجتمع عليه النَّاس، فقرأ فتفرَّقوا، فعل ذلك غير مرَّةٍ، فقال: يا بَنِي الْمَتْكاء إذا أخذتُ في مزامير الشَّيطان اجتمعتم عليَّ، وإذا أخذتُ في كتاب الله تفرَّقتم.
          (ص) (وَقَالَ قَتَادَةُ {لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف:68] عَلِيمٌ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ) هذا أسندَه ابنُ أبي حاتمٍ مِنْ حديث ابن عُيَينةَ عن ابن أبي عَروبة عنه.
          (ص) (وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ {صُوَاعَ} مَكُّوكُ الفَارِسِيِّ الَّذِي يَلتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ) هذا رواه ابن أبي حاتمٍ أيضًا مِنْ حديث أبي بِشرٍ عنه، وقيل: الصُّواعُ مَشْرُبة المَلِكِ، وقيل: هو شيءٌ مِنْ فضَّةٍ شبه المكُّوك مرصَّعٌ بالجواهر يُعمل على الرَّأس وكان للعباس واحدٌ في الجاهليَّة.
          (ص) (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {تُفَنِّدُونِ} تُجَهِّلُونِ) قلتُ: ونحوه قال أبو عُبيدة: لولا أن تُسفِّهوني، وقال مجاهدٌ: لولا أن تقولوا: ذهب عقلُك.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُه {غَيَابَةِ} كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَةٌ) قلت: ومنه سُمِّيت حفرة القبر غَيابةً لأنَّها تُغيِّب المدفون.
          (ص) (وَ{الْجُبِّ} الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ) هو كما قال، قال / الحسن: غَيابَتُه قَعرُه، وقال قَتَادة: أسفلُه.
          (ص) ({بِمُؤْمِنٍ لَنَا} بِمُصَدِّقٍ لَنَا) أي لمحبَّتك إيَّاه.
          (ص) ({أَشُدَّهُ} قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ، يُقَالُ بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُها شَدٌّ).
          اختُلِف في الأشدِّ، فقيل: ليس له واحدٌ مِنْ لفظه، قاله أبو عُبيدٍ، وقيل: هو جمعٌ واحدُه: شدَّةٌ، قاله سِيبَويه، وقال الكِسائيُّ: شدَّ كما في الأصل، وفيه عدَّة أقوالٍ: مِنْ ثمانية عشر إلى ستِّين، وقال مالكٌ: الحِلْم، وقال الثَّعلبيُّ: منتهى شبابه، وشدَّتُه قوَّته، وقال ابن عبَّاسٍ: ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين.
          وقال ابن التِّيْنِ: الأظهر أنَّه أربعون لقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص:14] وذلك أنَّ النَّبِيَّ لا يُنبَّأ إلَّا بعدَ أربعين سنةً.
          (ص) ({شَغَفَهَا} بَلَغَ إِلَى شَغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلبِهَا، وَأَمَّا شَعَفَهَا فَهو مِنَ المَشْعُوفِ) قيل: الشُّغاف داءٌ، وقيل: هو حبَّة القلب، وقيل: هو عُلْقةٌ سوداءُ في صَميمه، وهي بفتح الشِّين كما في كتب أهل اللُّغة، وضبطه المحدِّثون بكسرها، ومعنى الكلمة: أي أصاب حبُّه شَغاف قلبها، كما يُقال: كَبَدَه إذا أصاب كَبِدَه.
          وقوله: (وَأَمَّا شَعَفَهَا فَمِنَ المَشْعُوفِ) يُقال: فلانٌ مَشعوف بفلانٍ: إذا بَلغ به الحبُّ أقصى المذاهب، مشعوفٌ مِنْ شِعَاف الجبال، أي أعلاها.
          (ص) ({أَصْبُ} أَمِيلُ) يُقال: صَبَا إلى اللَّهو يَصْبُو صَبْوًا، إذا مال إليه.
          (ص) ({أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ) أي أخلاط رؤيا كاذبة لا أصل لها، والضِّغث في الأصل: حزمةٌ مِنَ الحشيش المختلف.
          وقال البُخاريُّ: (الضِّغْثُ: مِلءُ اليَدِ مِنَ الحَشِيشِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمِنْهُ قَولُهُ ╡ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا}) قال: (وقوله: {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} وَاحِدُهَا ضِغْثٌ).
          (ص) ({نَمِيرُ} مِنَ المِيرَةِ) أي نجلب إليهم الطَّعام، يُقال: مَارَ أَهْلَهُ يَمِيرُهُمْ مَيْرًا إذا أتاهم بطعامٍ.
          (ص) ({وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} مَا يَحْمِله بَعِيرٌ) أي لأنَّه كان يُكال لكلِّ رجلٍ وقرُ بعيرٍ.
          (ص) ({آوَى إِلَيْهِ} ضَمَّ إِلَيْهِ) أي وأنزله معه.
          (ص) ({السِّقَايَةَ} مِكْيَالٌ) كان يشرب به الملك جعلها يوسف مكيالًا لئلَّا يُكال بغيرِها.
          (ص) ({تَفْتَأُ} لَا تَزَالُ) قلتُ: قاله ابن عبَّاسٍ وغيره: لا تزال تذكر يوسف، وهو المعروف، وعن مجاهدٍ: تَفْتُرُ.
          (ص) ({حَرَضًا} مُحْرَضًا، يُذِيبُكَ الهَمُّ) قال ابن عبَّاسٍ: حتَّى تكون كالشَّيخ الفاني.
          (ص) (تَحَسَّسُوا: تَخَبَّرُوا) قال ابن عبَّاسٍ: تبحَّثوا عن يوسف، قلت: هو بالحاء وبالجيم قريبٌ منه، وقيل: هما واحدٌ، وقيل بالحاء في الخير وبالجيم في الشَّرِّ، وقيل: بالحاء لنفسه، وبالجيم لغيره، ومنه الجاسوس.
          (ص) ({مُزْجَاةٍ} قليلةٌ) قلت: أو رديئةٌ أو كاسدةٌ أو مدفوعةٌ، قيل: هو متاع الأعراب مِنْ سمنٍ وصوفٍ وشبهِهِما، وقيل: وَرِقٌ رديئةٌ لا تجوز إلَّا بوضيعة.
          (ص) ({غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ} عَامَّةٌ مَجُلِّلَةٌ) أي عقوبةٌ تغشاهم وتبسط عليهم.
          (ص) ({اسْتَيْأَسُوا} يَئِسُوا) مِنَ اليأس، قال ابن عبَّاسٍ: يريد مِنْ قومهم أن يؤمنوا.
          (ص) ({خَلَصُوا نَجِيًّا} اعْتَزَلُوا، يقال للوَاحِدُ: نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ والجَمْعُ: نَجِيٌّ وَالجمعُ أَنْجِيَةٌ) يريد أنَّ النَّجيَّ يكون للجمع والاثنين والواحد، وقال الأَزْهَريُّ: نَجِيٌّ جمع أَنْجِيةٍ، وكذلك قولهم: نَجْوَى، وعند ابن فارسٍ: الواحد نَجِيٌّ، وقيل مثلُ ما في الأصل.