التوضيح لشرح الجامع البخاري

{ألم غلبت الروم}

          ░░░30▒▒▒ (ومِنْ سورة الرُّوم)
          هي مكِّيَّةٌ، وروى الواحِديُّ مِنْ حديث الأعمش عن عطيَّة، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قال: لمَّا كان يومُ بدرٍ ظهرَتِ الرُّوم على فارسَ فأُعجب بذلك المؤمنون، فنزلت: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ...} إلى قَوْله: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ} [الروم:1-5] قال: ففرحَ المسلمون بظهور الرُّوم على أهل فارسَ، قال السَّخَاويُّ: نزلت بعد: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] وقبلَ العنكبوت.
          فائدةٌ: قال هشام بن مُحمَّدٍ كما نقلَه أبو عمر في كتاب «القَصد والأُمم»: مِنْ ولد يافِثَ بنِ نوحٍ روميُّ بن لنطي بن يونان بن يافث، وهم الرُّوم الأول، وأمَّا الرُّوم الثَّاني الَّذِي رجع المُلك إليهم فهم مِنْ ولد روميِّ بن لنطي من ولد عيص بن إسحاق، غَلبوا على اليونانيِّين فبطلَ ذكرُ الأوَّلين، وغلب هؤلاء على المُلك، ولمَّا قال أميرُ الروم لعمرو بن العاصي: أنتم أقرب إلينا نسبًا، نحن بنو العيص بن إسحاق وأنتم بنو إسماعيل بن إبراهيم، قال له عمرو: صدقت، زاد الرَّشاطيُّ: وروميُّ يُقَالُ له: رومانس الثَّاني، وهو الَّذِي بنى مدينة روميَّة فنُسبت إليهم، وروميُّ معرَّب مِنْ ولد رومانس، والرُّوم في لغتهم لا يسمعون أنفسهم ولا يدعوهم أهل الثُّغور إلَّا رومانس.
          قال: وقومٌ مِنَ الرُّوم يزعمون أنَّهم مِنْ قُضَاعةَ مِنْ تَنُوخ وبَهْرَاء وسليخ، ومنهم قومٌ يزعمون أنَّهم مِنْ إيادٍ وقوم يُنسبون إلى غسَّان مِنْ آل جفنة، وعند الواحِديِّ: صار اسمُ أبيهم لهم كالاسم للقبيلة، قال: وإن شئتَ هو جمع روميٍّ منسوبًا إلى الرُّوم بن عيص، وعند أهل اللُّغة: رَامَ الشَّيءَ يَرُومُهُ رَومًا، أي طلبَه، وأهل هذه البلاد يسمُّونهم الإفرنج، وقال ابن صاعدٍ في «طبقاته»: كانت الرُّوم فيها صابئةٌ يعبدون الكواكب إلى أن قام قُسْطنطين بن هيلان باني القُسطنطينيَّة بدين النَّصرانيَّة، ودعا الرُّوم إلى الشَّرع به فأطاعوه وتنصَّروا عن آخرهم ورفضوا دينَهم مِنْ تعظيمهم الهياكلَ وعبادة الأوثان وغير ذلك مِنْ شريعة الصَّابئة، ولم يزل دين النَّصرانيَّة يفشو ويظهر إلى أن دخلَ فيه أكثرُ الأمم المجاورة للرُّوم مِنَ الإفرنجيَّة والجلالقة والصَّقالبة وبرجان والرُّوس وجميع أهل مصر مِنَ القِبط وجمهور السُّودان مِنَ الحبشة والنُّوبة وغيرهم.
          (ص) (وقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحْبَرُونَ} [الروم:15] يُنَعَّمُونَ) أسندَه الحنظليُّ مِنْ حديث ابنِ أبي نَجِيحٍ عنه، وقال ابن عبَّاسٍ: يُكرمون، وقال يحيى بن كثيرٍ وغيره: السَّماع في الجنة.
          (ص) ({فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ} [الروم:39] مَنْ أَعْطَى عطيَّةً يَبْتَغِي أَفْضَلَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا) هو قول سعيد بن جبيرٍ وغيره، وهو رِبًا حلالٌ لا أجرَ فيه ولا وِزر، وهذا في حقِّ الأمَّة، أمَّا في حقِّه ◙ فهو حرامٌ عليه لقوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] وقيل في الآية غير ذلك.
          (ص) ({يَمْهَدُونَ} [الروم:44] يُسَوُّونَ المَضَاجِعَ) أي يوطِّئون / مَقارَّ أنفسِهم في القبور أو في الجنَّة.
          (ص) ({الْوَدْقَ} [الروم:48] المَطَرُ، وقَالَ ابن عبَّاسٍ: {هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم:28] فِي الآلِهَةِ، وَفِيهِ {تَخَافُونَهُمْ} أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) هذا أسندَه ابنُ أبي حاتمٍ مِنْ حديث عليٍّ عنه، قال قَتَادة: وهو مثلٌ ضربَه اللهُ للمشركين: هل يرضى أحدُكم أن يكونَ مملوكُه في نفسِه ومالِه مثلَه، فإذا لم ترضَوا بهذا فكيف تجعلونَ لله شريكًا؟ زاد غيرُه: وليس كمثلِه شيءٌ، ولا تجعلون مماليككم مثلكم وأنتم كلُّكم أرقَّاء لله تعالى.
          (ص) ({يُصَدَّعُونَ} [الروم:43] يَتَفَرَّقُونَ) قيل: هو بمعنى قَوْله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة:6]، وقيل: هو ما ذكرَ بعدَه مِنْ عملٍ صالحٍ أو مِنْ كفرٍ، وقيل: هو تفاوتُ المنازل.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وَضَعْفٌ لُغَتَانِ) قلتُ: كذا قال الخليل، ويُقَالُ: الضُّعْفُ في الجسد، والضَّعْفُ في العقل، وعبارةُ ابنِ التِّينِ: وقيل: هو بالضَّمِّ ما كان مِنَ الخُلق، وبالفتح ما سفل، المعنى: خلقَكم مِنَ المنيِّ، أي في حال ضعفٍ.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {السُّوأَى} [الروم:10]) أي (الإِسَاءَةُ جَزَاءُ المُسِيئِينَ) أي العاقبةُ السَّيِّئة وهي النَّار، قال ابن التِّينِ: ضُبِطَ الإساءةُ بالمد وكتب بالألف وفتح الهمزة، وفي بعض الكتب بكسر الهمزة والمدِّ، وفي بعض الأمَّهات بالفتح والقصر، وكذلك هو في اللُّغة مقصورٌ يكتب بالألف لأنَّك تقول: رجلٌ أَسْيَانُ، وقد قالوا: أَسْوان، فجائزٌ على هذا القول كَتْبُه بالألف، وأصله أَسِيتُ آسَى، أي حزنتُ، ومنه قوله تعالى: {فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف:93]، وأمَّا السَّوء: فهو أشدُّ الشَّرِّ، والسُّوْءَى فعلٌ منه، ومعنى (أَسَاؤُوا) أشركوا.
          فصلٌ:
          4774- ثُمَّ ساق مِنْ حديثِ أَبِي الضُّحَى مسلمِ بن صُبَيْحٍ الكوفيِّ العطَّار عَنْ مَسْرُوقٍ عن ابن مَسْعودٍ ☺.
          وقد سلف في الاستسقاء مختصرًا [خ¦1007]، ويأتي أيضًا في الدُّخان مختصرًا [خ¦4820]، فراجعْه.