التوضيح لشرح الجامع البخاري

{وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس}

          ░13▒ قَوْلِهِ: ({وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ...}) الآية [البقرة:143].
          4487- ذكر فيه حديثَ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ ☺ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ الله صلعم: يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَل بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لأُمَّتِهِ: هَل بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ ╡: {وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] وَالوَسَطُ: العَدْلُ).
          وفيه أنَّ الله تعالى يقيم الحجَّة يومَ القيامة، ومنه: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل:111] وسؤالُه تعالى نوحًا عن البلاغ _وهو أعلم_ مِنْ باب التَّنبيه على أمَّته كما قال لعيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ} [المائدة:116] وذكر في حديثٍ آخر تمامَ الحديث، قال: ((فيقولُ قومُ نوحٍ: كيف تشهدونَ علينا ونحنُ أوَّل الأُمم وهم آخر الأمم؟ فتقولون: نشهد أنَّ الله بعث إلينا رسولًا، وأَنزل علينا كتابًا، وكان فيما أنزل علينا خبرُكم)).
          وقوله: (وَالوَسَطُ العَدْلُ) أي لأنَّ أحمدَ الأشياءِ أوسطُها، ومنه: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم:28] أي خيارُهم، وقال ابن جريرٍ: الوسطُ العدلُ والخِيارُ، وأنا أرى أنه في هذا الموضع بمعنى الجزء الَّذي هو بين الطَّرفين، مثل وسط الدَّار، وأرى أنَّ الله تعالى إنَّما وصفَهم بذلك لتوسُّطهم في الدِّين، فلا هم أهل غلوٍّ فيه كالنَّصارى ولا هم أهل تقصيرٍ فيه كاليهود.