التوضيح لشرح الجامع البخاري

{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}

          ░31▒ قَوْلِهِ: ({وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]، التَّهْلُكَةُ وَالهَلاَكُ وَاحِدٌ).
          4516- ثُمَّ ساق عن حُذَيْفَةَ أنَّها: (نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ).
          قلتُ: هو قول ابن عبَّاسٍ، وعنه: العذاب. وقال لِمَنْ بيده فضلٌ: {وَأَحْسِنُوا}، وقال البَراء والنُّعمان بن بَشيرٍ وغيرهما: هو الرَّجل يُذنِب الذَّنب فيُلقي بيده، ثُمَّ يقول: لا يُغفَر لي، وقال أبو قِلَابة: يقول: ليس لي توبةٌ فينهمكُ في الذُّنوب. وحكى ابنُ أبي حاتمٍ فيها أقوالًا، منها قولُ أبي أيُّوب: نزلتْ فينا معشرَ الأنصار لمَّا نصر الله نبيَّه وظهر الإسلامُ، قلنا بيننا: إنَّا كنَّا قد تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيمَ فيها ونُصلحها حتَّى نصرَ اللهُ رسوله، فهل نقيم في أموالنا ونصلحُها فنزلت، فكان الإلقاءُ بالأيدي إلى التَّهلكة أن نقيم في أموالنا وندع الجهاد، وخرَّجه التِّرمِذيُّ مصحَّحًا.
          و(التَّهْلكَةِ) مثلَّث اللَّام حكاه الزَّجَّاج، والمعنى: إن لم تنفقوا في سبيل الله هَلَكتم، أي عَصيتم اللهَ فهَلَكتُم، وجائزٌ أن يكونَ بتقوية عدوِّكم عليكم، وزعم المبرِّد أنَّ المراد بالأَيْدِي الأنفسُ، فعبَّر بالبعض عن الكلِّ، وقال ابن الجَوْزيِّ: إن كان الهلاك في الواجبات فهو الإثم، وإن كان في المندوبات فهو فوت الفضائل.
          وقوله: {وَأَحْسِنُوا} فيه أقوالٌ، أحدُها: في أداء الفرائض، ثانيها: الظَّنُّ بالله، ثالثها: عُودوا على مَنْ ليس في يده شيءٌ، رابعها: صلُّوا الخَمس، حكاه ابن أبي حاتمٍ، وقال فُضَيل بن عِياضٍ: إنَّ العبد لو أحسن الإحسانَ كلَّه وكانت له دجاجةٌ فأساء إليها لم يكن مِنَ المحسنين.
          فائدةٌ: حديثُ حذيفة المذكور أخرجه البُخاريُّ عن إسحاق حدَّثَنا النَّضْر به، قال أبو عليٍّ: / نسبَه ابنُ السَّكَن فقال: <ابْنُ إِبْرَاهِيمَ>، وقال الكَلَاباذيُّ: النَّضْر بن شُمَيلٍ قد روى عنه إسحاقُ بن إبراهيم وإسحاق بن منصورٍ.