التوضيح لشرح الجامع البخاري

المائدة

          ░░░5▒▒▒ (ومِنْ سُورَةِ المَائِدَةِ).
          هي مدنيَّةٌ، قال مقاتلٌ: نزلت نهارًا، وقال غيره: ونزلت بعدها التَّوبة، وقال السَّخاويُّ هي في الإنزال بعد براءة عند أكثر العلماء، قال: وذهب جماعةٌ إلى أنَّه ليس فيها منسوخٌ لتأخُّرها، وقال آخرون: فيها عشرة مواضع منسوخة، وقال بعضهم فيما حكاه النَّحاس: فيها آيةٌ واحدةٌ منسوخةٌ، ثُمَّ ذكر ستَّةً لتكملة سبعةٍ.
          قلتُ: ونزلت {الْيَوْمَ أَكْمَلتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:5] بعرفة، وآية التَّيمُّم نزلت بالأبواء، {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] بذات الرِّقاع، و{ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} إلى قوله: {مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:82-83]، قيل: نزلت قبل الهجرة، و{اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ} [المائدة:11] قيل: نزلت بنخلة في الغزوة السَّابعة، وقيل: بالمدينة في شأن كعب بن الأشرف، ذكره صاحب «مقامات التَّنزيل»، وذكر أبو عُبيد عن مُحمَّد بن كعبٍ القُرَظيِّ أنَّ هذِه السُّورة نزلت في حجَّة الوداع فيما بين مكَّة والمدينة وهو على ناقته، فأندر كتفها فنزل عنها. وعند الثَّعلبيِّ: قرأها ◙ في خطبته يوم حجَّة الوداع قال: ((يَا أيُّها النَّاسُ، إنَّ سورةَ المائدةِ مِنْ آخرِ القرآنِ نزولًا، فأحلُّوا حلالَها وحرِّموا حرامَها)).
          (ص) ({حُرُمٌ} وَاحِدُهَا حَرَامٌ) أي وأنتم مُحرِمون لئلَّا يحرج عليكم.
          (ص) ({وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ} هُوَ مِنِ اسْتِهْلَالِ الصَّبيِّ، وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ، وَأَهَلَّ بِالْحَجِّ: تَكَلَّمَ بِهِ وَأَظْهَرَهُ، وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ، كُلُّ هَذَا مِنَ الظُّهُورِ بَعْضُه مِنْ بَعْضٍ).
          هذا ثابت في بعض النُّسخ، وجزم في «الكشَّاف» بأنَّ المرادَ أيضًا: رفعُ الصَّوت لغير الله، وهو قولهم: باسم اللَّات والعُزَّى عند الذَّبح.
          (ص) ({فَبِمَا نَقْضِهِمْ} فَبِنَقْضِهِمْ)، يريد أنَّ (مَا) زائدةٌ، مثل قوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159]، ودخلت {فَبِمَا} للمصدر، وكذا كلُّ ما أشبهه، وهذا أسنده ابن المُنْذر عن قَتَادة، قال _أعني قَتَادة_: نقضوه مِنْ وجوهٍ كذَّبوا الرُّسل الَّذين جاؤوا بعد موسى وقتلوا / أنبياء الله، ونبذوا كتابه وضيَّعوا فرائضه.
          (ص) (وَقَالَ غَيْرُهُ: الإِغْرَاءُ التَّسْلِيطُ) لعلَّه يعني بالغيرِ غير مَنْ فسَّر ما قبله، وقد نقلناه عن قَتَادة، وقال في «الكشَّاف»: فأغرينا ألصقنا وألزمنا، مِنْ غرى بالشَّيء إذا ألزمه ولَصِقَ به، وأغراه به غيرُه، ومنه الغِراء الَّذِي يُلصق به.
          (ص) ({الَّتِي كَتَبَ اللهُ} جَعَلَ اللهُ) وعبارةُ «الكشَّاف»: قَسَمَها وسمَّاها، أو خطَّ في اللَّوح المحفوظ أنَّها لكم، و{الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} بيت المقدس أو أَريحاء أو فِلَسطين أو دمشق والشَّام، وكان إبراهيم صَعِدَ جبل لبنان فقيل له: انظر، فما نظره بصرُك فهو مقدَّسٌ وميراثٌ لذرِّيَّتك مِنْ بعدك.
          (ص) (تَبُوءُ تَحْمِلُ) كلُّ هذا أسندَه ابن المُنْذر عن مجاهدٍ.
          (ص) ({دَائِرَةٌ} دَوْلَةٌ) رواه ابن أبي حاتمٍ عن السُّدِّيِّ.
          (ص) (وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة:68]، {عُثِرَ} ظَهَرَ، {الأَوْلَيَانِ} واحدهما أَوْلى، ومنه: أَوْلَى بِهِ أَحَقُّ بِهِ، {طَعَامُهُمْ} ذَباَئِحُهُمْ) هذا ثابتٌ في بعض النُّسخ.
          (ص) ({أُجُورَهُنَّ} مُهُورَهُنَّ) أسنده ابن المُنْذر عن ابن عبَّاسٍ.
          (ص) ({المُهَيْمِنُ} الأَمِينُ، القُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ) عزاه في فضائل القرآن [خ¦66/1-7381] إلى ابن عبَّاسٍ، وأسندَه ابن أبي حاتمٍ مِنْ حديث عليِّ بن أبي طلحة عنه، وأصلُه كما قال الخطَّابيُّ: مؤيمن فقُلبت الهمزة هاءً، لأنَّها أخفُّ، وهو على وزنٍ مُسيطرٍ، أي الشَّاهد على خلقِه لما يكون منهم قولًا وفعلًا، قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} الآية[يونس:61] وقيل: إنَّه الرَّقيب على الشَّيء والحافظ له، وقال بعض أهل اللُّغة: الهَيمنةُ القيامُ على الشَّيء والرِّعاية له، وقال الأَزْهَريُّ: هو مِنْ صفات الله، أي الشَّهيد الشَّاهد، والرَّقيب والحفيظ، وقيل غير ذلك.
          (ص) ({مَنْ أَحْيَاهَا}) مَنْ حرَّم قتلها إلَّا بحقٍّ حَيِيَ النَّاس منه جميعًا. ({شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} سَبِيْلًا وَسُنَّةً) هذا ثابتٌ في بعض النُّسخ، (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَخْمَصَةٍ} مَجَاعَةٍ) هذا أسندَه ابنُ أبي حاتمٍ عنه.