التوضيح لشرح الجامع البخاري

{والنجم}

          ░░░53▒▒▒ (وَمِنْ سُورَةِ وَالنَّجْمِ)
          هي مكِّيَّةٌ، قال مقاتلٌ: غيرَ آيةٍ نزلت في نَبْهَان التَّمَّار، وهي: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} [النجم:32] وقال الكفَّار: إنَّ مُحمَّدًا يقول هذا مِنْ تلقاء نفسِه، فنزلت، وهي أوَّل سورةٍ أعلنَها رسول اللَّهِ صلعم بأمرِ اللَّهِ، فلمَّا بلغ آخرَها سَجدَ، وسجدَ مَنْ بحضرتِه مِنَ الإنسِ والجنِّ، ونزلت بعد الإخلاص وقبل عَبَسَ، كما قاله السَّخَاويُّ.
          ({وَالنَّجْمِ} [النجم:1]) هو الثُّريَّا، وقيل: كلُّ نجمٍ، {إِذَا هَوَى} إذا غرب، وقيل: هو آيات القرآن، وقيل: رسول اللَّهِ صلعم لمَّا نزل مِنَ المعراج، وقال جعفر بن مُحمَّدٍ: {هَوَى} انشرحَ مِنَ الأنوار، وانقطع عن غيرِ اللَّهِ، قال ابن أبي لهبٍ _واسمه لهبٌ وبه كنِّي أبوه كما ذكره الحاكم وغيره_: إنِّي كفرت بربِّ النَّجم، فنزلَت، فقال له ◙: ((أَمَا تَخافُ أنْ يُسلِّطَ اللَّهُ كلبًا مِنْ كلابِه عليك))، فسلَّط عليه الأسدَ في بعض أسفارِه فابتلعَ هامتَه.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذُو مِرَّةٍ} [النجم:6] ذُو قُوَّةٍ) أخرجَه ابنُ أبي حاتمٍ مِنْ حديث ابن أبي نَجِيحٍ عنه، وقال قَتَادة: ذو خلقٍ طويلٍ حسنٍ.
          (ص) / ({قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم:9] حَيْثُ الوَتَرُ مِنَ القَوْسِ) هو قولُ مجاهدٍ أيضًا، والقَابُ القَدْرُ، وهو ما بين مقبض القوس وسيَّتِه، ولكلِّ قوسٍ قَابَانِ، وهو القاب والقيبُ، وقال مجاهدٌ: القوسُ: الذِّراعُ بلغة أَزْدِ شَنوءة.
          (ص) ({ضِيزَى} [النجم:22] عَوْجَاءُ) أسندَه عبدُ بن حُميدٍ عن شَبَابة عن وَرْقاءَ عن ابن أبي نَجِيحٍ عنه، وعن ابنِ عبَّاسٍ والضَّحَّاكِ وقَتَادةَ: جائرةٌ حيث جعلتم لربِّكم مِنَ الولد ما تكرهون لأنفسكم، وعن ابن كَثيرٍ همزُها والباقون بعدمِه، وأصلُها ضُيزى _بضمِّ الضَّاد_ لأنَّ النَّحويِّين مجمعون _إلَّا مَنْ شذَّ منهم_ أنَّه ليس في كلام العرب فِعلى _بكسر الفاء_ نعتٌ، وإنَّما في كلامُهم فَعلى بالفتح، وفُعلى بالضَّمِّ، وإنَّما كسرت الضَّاد لتصحَّ الياء كقولهم بِيْضٌ.
          (ص) ({وَأَكْدَى} [النجم:34] قَطَعَ عَطَاءَهُ) أي ومنع الخير، قال مجاهدٌ: هو الوليد بن المغيرة أعطى قليلًا ثُمَّ قطع، وقال السُّدِّيُّ: نزلت في العاص بن وائلٍ السَّهميِّ، وذلك أنَّه كان ربَّما يوافقُ رسولَ اللَّهِ صلعم في بعض الأمور، وقال مُحمَّد بن كعبٍ القُرَظيُّ: نزلت في أبي جهلٍ، وذلك أنَّه قال: واللَّهِ ما يأمرنا مُحمَّدٌ إلَّا بمكارم الأخلاق، فذلك قوله: {وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى} [النجم:34] أي لم يؤمن به.
          (ص) ({رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم:49] هُوَ مِرْزَمُ الجَوْزَاءِ) هو قول مجاهدٍ أيضًا، أخرجه بالإسناد السَّالف، والمِرْزَمان: مِرْزَمَا الشِّعْرَيَيْنِ يريد الهَنْعَةَ لأنَّ الشِّعْرَى كوكبٌ يقابلها مِنْ جهة القِبلة لا يفارقها، وهما نجمان أحدهما في الشِّعْرَى والآخر في الذِّراع، قاله في «الصِّحاح»، وعبارة الثَّعلبيِّ: الشِّعرى: كوكبٌ خلفَ الجوزاء يتبعه يُقَالُ له: مِرْزَمُ الجَوزاء، وهما شِعْرَيَانِ: العَبُور والغُمَيْصَاء، يُقَالُ: إنَّهما وسُهَيلًا كانت مجتمعةً فانحدرت سهيلٌ قصده يمانيًا فتبعته الشِّعْرى العَبُور، فعبر به المجرَّة، فسُمِّيت العَبُور، وأقامت الغُمَيْصاء، فبكت لفقد سُهيلٍ حتَّى غمصت عينها، أي سالَ دمعُها، فسمِّيَت الغُمَيْصاء لأنَّها أخفى مِنَ الأخرى، وأراد هنا الشِّعْرى العَبُور، وكانت خُزَاعة تعبدُها، وأوَّل مَنْ سنَّ ذلك رجلٌ مِنْ أشرافهم يُقَالُ له: أبو كَبْشة عبد الشِّعْرى العَبُور، وقال: لأنَّ النُّجوم تقطع السَّماء عرضًا والشِّعْرى طولًا، فلمَّا خرجَ رسولُ اللَّهِ صلعم على خلاف العرب في الدِّين شبَّهوه بأبي كَبْشة فسمَّوه ابن أبي كَبْشة لخلافِه إيَّاهم كخلاف أبي كبشة في عبادة الشِّعْرى، وعن قَتَادة: هو النَّجم الَّذِي رأسه لا إله إلَّا اللَّهُ، وقال مقاتلٌ: كان ناسٌ مِنْ خزاعة وغسَّان وغَطَفان يعبدونها، ويُقَالُ لها: المِرْزَم، ووصفَها أبو حَنيفةَ في «أنوائه» فأوضح.
          (ص) ({الَّذِي وَفَّى} [النجم:37] مَا فُرِضَ عَلَيْهِ) هو قول مجاهدٍ كما أخرجه عبدٌ بالإسناد السَّالف، وقال قَتَادة: وفَّى بالطَّاعة والرِّسالة، وفي لفظٍ: {وَفَّى} ما فرض عليه، وقيل: بالعشر الَّتي ابتُلي بها، وقيل: بذبح ابنه واختتانه، وقيل: جعل على نفسه ألَّا يقعُدَ على طعامٍ إلَّا ومعه يتيمٌ أو مسكينٌ، ووفَّى أبلغَ مَنْ وَفَّى لأنَّ الَّذِي امتُحن به ◙ مِنْ أعظم المحن.
          (ص) ({أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [النجم:57] اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) هو كما قال.
          (ص) ({سَامِدُونَ} [النجم:61] البَرْطَمَةُ) قلت: وهو بفتح الباء وسكون الرَّاء الانتفاخُ مِنَ الغضب، ورجلٌ مُبرطِم: متكبِّرٌ، وقيل: متغضِّبٌ، وقيل: هو العياء الَّذِي لا يُفهم، (وَقَاْلَ عِكْرِمَة: يَتَغَنَّوْنَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ) هذا والَّذِي قبله أسندَهما عبدُ بنُ حُميدٍ، الأوَّل عن مجاهدٍ والثَّاني عن عِكرمة، ولمَّا روى الأوَّل، عن ليثٍ عن مجاهدٍ أنَّها البَرْطمةُ قال: قلتُ: وما البَرْطَمَةُ؟ قال: الإعراضُ. وساق عن ابن عبَّاسٍ أنَّه الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن لعبوا وتغنَّوا، وقال عِكرمة: وهي بلغةِ أهل اليمن إذا أراد اليَمانِيُّ أنْ يقول: تغنَّ قال: اسمُدْ، وقال قَتَادة: {سَامِدُونَ} غافلون، وقال صالحٌ أبو الخليل: لَمَّا نزلت هذه الآية: ما رُئِيَ رسولُ اللَّهِ صلعم ضاحكًا ولا متبسِّمًا حتَّى ذهبَ، وقيل: الهَائمُ، وقيل: السَّاكت، وقيل: الحزين الخاشع، وقيل: القائم، وقيل: مجيء الإمام إلى الصَّلاة.
          (ص) (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {أَفَتُمَارُونَهُ} [النجم:12] أَفَتُجَادِلُونَهُ، وَمَنْ قَرَأَ: {أَفَتَمْرُونَهُ} أَفَتَجْحَدُونَهُ) هذا أخرجه عبدُ بن حُميدٍ عن عمرو بن عَونٍ عن هُشَيمٍ عن مُغيرة عنه، وقال الشَّعْبيُّ: كان شُرَيْحٌ يقرؤه بالألف، وكان مسروقٌ وابن عبَّاسٍ يقرآنِها بحذفها، وهي قراءة حمزة والكِسائيِّ، وقرأ الباقون بالألف {فَتَمَارَوْا} كذبوا.
          (ص) ({مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [النجم:17] بَصَرُ مُحمَّدٍ صلعم، {وَمَا طَغَى} وَلَا جَاوَزَ مَا رَأى) أي ما جاوز ما أمرَه به ولا مال عمَّا قصد.
          (ص) (وَقَالَ الحَسَنُ: {إِذَا هَوى} غَابَ) أخرجه عبدٌ عن عبد الرَّزَّاق عن مَعْمرٍ عن قَتَادة عنه، وقال مجاهدٌ: هو الثُّريَّا إذا غارب، وقد سلف.
          (ص) (وَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: {أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم:48] أَعْطَى فَأَرْضَى) أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ عن أبيه عن أبي صالحٍ عن معاوية عن عليٍّ عنه، وقيل: {أَقْنَى} مِنَ القنية، وقيل: أخدم، وقيل: وَلَّى، وقيل: يضع، وقيل في {أغنى} قنع.
          4855- ثُمَّ ساق البخاريُّ حديثَ عائشة ♦ في الرُّؤية، وقد سلف [خ¦3234]، وشيخه فيه: (يَحْيَى) وهو ابنُ موسى الحُدَّانيُّ كما نسبَه ابنُ السَّكَن، فيما حكاه الجَيَّانيُّ.
          وقولها: (قَفَّ شَعَرِي) أي اقشعرَّ جسمي حين قام ما عليه مِنَ الشَّعر، وقول مسروقٍ لعائشة: (يَا أُمَّتَاهْ) هو نداءٌ كقوله: يا أباهْ عند الوقف، وإذا وصلوا قيل: يا أَبَتِ؛ كـ {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102] وإذا فتحوا للنُّدبة قالوا: يا أبتاهْ والهاء للوقف، ولا يقولون: يا أبتي، ولا يا أُمَّتي، زعمًا أنَّ الهاء بمنزلة قولِهم: رجلٌ يَفَعَةٌ، وغلامٌ يَفَعَةٌ، واحتجاج عائشة ♦ بالآيتين تريدُ نفي الرُّؤية في الدُّنيا وهو مذهبُها، والجمهور على أنَّه رآه بعينَيْ رأسه، والمراد بالإدراك الإحاطة.
          وقولها: (وَلَكِنَّه رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ) الجمهورُ على أنَّ المراد: {وَلَقَدْ رَآهُ} [النجم:13] يعني: ربَّه وجبريلَ، والأوَّل قول الحسن، والثَّاني قول الجماعة كما نقله عنهم ابن التِّينِ، قال: ويدلُّ على صحَّته حديثُ ابن مَسْعودٍ ☺ الآتي [خ¦4856] أنَّه رأى جبريلَ له ستُّ مئة جناحٍ، زاد غير البخاريِّ: يتناثر مِنْ ريشه الدُّرُّ والياقوت.