التوضيح لشرح الجامع البخاري

الأنفال

          ░░░8▒▒▒ (وَمِنْ سُورَةُ الأَنْفَالِ).
          هي مدنيَّةٌ، وقال ابنُ عبَّاسٍ: إلَّا سبع آياتٍ مِنْ قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ} [الأنفال:30] إلى آخر سبع آياتٍ، وقيل: و{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ} إلى آخر الآيتين [الأنفال:22-23]، {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33].
          قال السَّخاويُّ: نزلت قبل آل عمران وبعد البقرة، قال: ونزلت آل عمران بعد {ص} وقبل سورة الجنِّ.
          ░1▒ قوله: ({يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ...}) الآية [الأنفال:1].
          (قَالَ ابن عبَّاسٍ: الأَنْفَالُ المَغَانِمُ) هذا أسنده أبو مُحمَّد بن أبي حاتمٍ مِنْ حديث عليٍّ عنه، واحدُها نَفَلٌ _بفتح الفاء_ وهو الزِّيادة، ولهذا قال بعده: (يُقَالُ نَافِلَةٌ عَطِيَّةٌ)، وهي ممَّا زادَه الله لهذِه الأمَّة في الحلال لأنَّه كان مُحرَّمًا على مَنْ كان قبلهم، وبهذا سُمِّيَت النَّافلة مِنَ الصَّلاة لأنَّها زيادةٌ على الفرض، وقيل في قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء:72] أي دعا بإسحاقَ فاستُجيب له، وزِيدَ يعقوبُ بغير سؤالٍ.
          (ص) (وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} الْحَرْبُ) هذا أسنده عبد الرَّزَّاق عن مَعمرٍ عنه.
          (ص): ({الشَّوْكَةِ} الحَدُّ) هو كما قال.
          4645- ثُمَّ أسند عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ: (قلتُ: سُورَةُ الأَنْفَالِ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ) هو أحدُ الأقوال في الآية، قيل: كان المسلمون ثلاث فرقٍ، فرقةً تقاتل العدوَّ، وفرقةً أحدقت برسول الله صلعم لئلَّا ينال منه غيرُه، وفرقةً أخذت في جمع المغانم فلمَّا برد القتال تنازعوا في الأنفال، فنزلت أنَّ الحكمَ فيها للهِ وللرَّسول، فاختبر بذلك طاعتَهم، فرَضُوا وسلَّموا ثُمَّ بيَّن حكمَ ذلك فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية[الأنفال:41]، ذكره الحاكم عن عُبادة وقال: على شرط مسلمٍ. وقيل: نزلت في أبي اليَسَرِ، وقيل: إنَّها منسوخةٌ بهذِه، ونقله النَّحاس عن الأكثرين، وأمَّا مكِّيٌّ فنقل عن الأكثر أنَّها محكمةٌ.
          (ص) ({مُرْدِفِينَ} فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، رَدِفَنِي وَأَرْدَفَنِي: جَاءَ بَعْدِي) ومَنْ قرأه بالفتح _وهو نافعٌ_ معناه: ردفهم الله بغيرهم وهم الملائكة، ومَنْ قرأه بالكسر معناه: رادفين، يُقال: ردِفت _بكسر الدَّال_ وأردفتُه إذا جئتَ بعدَه، وقال الطَّبَريُّ: العرب تقول: أَردفتُه ورَدِفتُه بمعنًى. وقال أبو عُبيدٍ: إنَّما هو مردفٌ والأصل: مرتدفين كما قاله سِيبوَيه، وقال السُّدِّيُّ: أي ممدُّكم بآلافٍ ليوافق ما في آل عمران، ومَنْ قرأ {بِأَلْفٍ} ولم يفسِّر المردِفين بإرداف الملائكة ملائكة أخرى والمردَفين بارتدافهم غيرهم، جعل الأَلْفَ مَنْ يقاتل مِنَ الملائكة أو الوجوه منهم الَّذين مَنْ سِواهم أتباعٌ.
          (ص) ({ذُوقُوا} بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الفَمِ) هو كما قال، ({فَيَرْكُمَهُ} فيَجْمَعَهُ) وهذا أسنده ابن أبي حاتمٍ عن ابن زيدٍ.
          (ص) ({فَشَرِّدْ} فَرِّقْ) قال ابن مسعودٍ كما حكاه الزَّجَّاج: يفعل بهم فعلًا مِنَ القتل والتَّفريق، وقال ابن عُيَينةَ: نكِّل بهم.
          (ص) ({وَإِنْ جَنَحُوا} طَلَبُوا) هو كما قال، ({يُثْخِنَ} يَغْلِبَ) هذا أسنده أبو مُحمَّد بن أبي حاتمٍ مِنْ حديث الضَّحَّاك عن ابن عبَّاسٍ: {يُثْخِنَ} يظهر في الأرض.
          (ص) (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُكَاءً} إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، {وَتَصْدِيَةً} [الأنفال:35] / {الصَّفِيرُ}) هذا أسندَه ابن أبي حاتمٍ مِنْ حديث ابن أبي نَجِيحٍ عنه بزيادة: كانوا يخلطون بذلك على رَسُول الله صلعم صلاتَه، وهو عكس قول المفسِّرين وأهل اللُّغة؛ لأنَّهم قالوا: إنَّ المكاء التَّصفير، والتَّصدية: التَّصفيق، وكذا قال النَّحَّاس: إنَّه المعروف في اللُّغة والمرويُّ عن ابنِ عمرَ وغيرِه مِنَ العلماء.
          قال مقاتلٌ: كان ◙ إذا صلَّى في الكعبة قام رجلان مِنَ المشركين مِنْ بني عبد الدَّار عن يمينه فيصفِّران كما يصفِّر المُكَّاء، وهو طائرٌ هذا اسمه، ورجلان عن يساره يصفِّقان بأيديهما، ليخلِّطا عليه صلاته وقراءته، فقَتل الله الأربعة ببدرٍ، ولهم يقول ولبقيَّتهم: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} يعني القتل ببدرٍ {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنفال:35].
          (ص) قوله: ({لِيُثْبِتُوكَ} لِيَحْبِسُوكَ) هذا ذكره ابن أبي حاتمٍ مسندًا مِنْ حديث ابن جُرَيْجٍ عن عَطاءٍ وابن كَثيرٍ، قال مقاتلٌ: اجتمع في دار النَّدوة نفرٌ مِنْ قريشٍ يومَ السَّبت ليمكروا به، فأتاهم إبليس في صورة شيخٍ نَجديٍّ، فكلمَّا ذكروا شيئًا قال: ليس برأيٍ، حتَّى قال أبو جهلٍ: أرى أن تأخذوا مِنْ كلِّ بطنٍ مِنْ بطون قريشٍ رجلًا، فيضربونَه بأسيافهم جميعًا، فلا يدري قومُه مَنْ يأخذون، فقال إبليس: هذا هو الرَّأي، فتفرَّقوا على ذلك، فجاء جبريل وأخبرَه بمكرهم وأَمَرَه أن يخرج تلك اللَّيلة، فخرج إلى الغار، أي ثُمَّ هاجر، وأصبح عليٌّ على فراشه.
          فقوله: {لِيُثْبِتُوكَ} يحبسوك في بيت أبي البَخْتَريِّ، {أَوْ يَقْتُلُوكَ} يعني قول أبي جهلٍ، {أَوْ يُخْرِجُوكَ} مِنْ مكَّة وهو رأي هشام بن عمرٍو، وقرأ ابن عبَّاسٍ فيما حكاه في «الكشَّاف»: {لِيُقَيِّدُوكَ}.