التوضيح لشرح الجامع البخاري

{فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا فإذا أمنتم فاذكروا الله}

          ░44▒ قَوْله: ({فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة:239]).
          ({فَإِنْ خِفْتُمْ}) أي فإن كان بكم خوفٌ مِنْ عدوٍّ أو غيره، ({فَرِجَالًا}) فصلُّوا راجلين، وهو جمع راجلٍ كقائمٍ وقيامٍ، ورَجِلٌ يُقال: رَجِلٌ أي راجل، وقُرئ: (فَرِجَالًا) بتخفيف الجيم و:{رِجَّالًا} بالتَّشديد و{رَجلًا}، وعند أبي حَنيفةَ: لا يصلُّون في حال المشي والمُسايفة ما لم يمكن الوقوف، وعند الشَّافعيِّ: يصلُّون في كلِّ حالٍ، والرَّاكب يُومِئُ ويسقط عنه التَّوجُّه إلى القبلة، {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} زال خوفكم، {فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} مِنْ صلاة الآمنين، أو إذا أمنتم فاشكروا الله على الأمن واذكروه بالعبادة كما أحسن إليكم بما علَّمكم مِنَ الشَّرائع وكيف تصلُّون أَمنًا وخوفًا.
          (ص) (قَالَ ابن جُبَيْرٍ: {كُرْسِيُّهُ} عِلمُهُ) هذا أسندَه عبدُ بن حُميدٍ مِنْ حديث جعفرٍ عنه، ورواه ابنُ أبي حاتمٍ في «تفسيره» عنه عن ابنِ عبَّاسٍ، وسُمِّي العلمُ كرسيًّا لمكانِه الَّذي هو كرسيُّ العالم، وقيل: وسع ملكُه، وقيل: تمثَّل، وقيل: إنَّه العرش، ورُوي أنه خلق كرسيًّا هو بين يدي العرش دونه السَّماوات والأرض، وهو إلى العرش كأصغر شيءٍ.
          (ص) (يُقَالُ: {بَسْطَةً} زِيَادَةً وَفَضْلًا) أي وَسعةً، والظَّاهر أنَّ المراد بالعلم المعرفةُ بما طلبوه لأجله مِنْ أمر الحرب، ويجوز أن يكون علمًا بالدِّيانات وغيرها، والبسطة في الجسم فيها هيبةٌ في القلوب.
          (ص) ({أَفْرِغْ} أَنْزِل) أي صُبَّه علينا، ({يَئُودُهُ}: يُثْقِلُهُ) أي ويشقُّ عليه، ومَا ذكره أخرجه ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبَّاسٍ وجماعةٍ، و(آدَنِي أَثْقَلَنِي، والآدُ والْأَيْدُ القوَّةِ).
          (ص) ({فَبُهِتَ} ذَهَبَتْ حُجَّتُهُ) أي تحيَّر وانقطع.
          (ص) ({خَاوِيَةٌ} لَا أَنِيسَ فِيهَا) وهي قائمةٌ على أبنيتها، ويُقال: خاويةٌ ساقطةٌ، (السِّنَةُ النُّعَاسُ) أي وهو في العين، فإذا وصل إلى القلب كان نومًا.
          ({عُرُوشِهَا} أَبْنِيَتِهَا) أي سقطت ثُمَّ انهدمت الحيطان عليها، و(نُنْشِرُهَا نُخْرِجُهَا) قلتُ: وقُرِئ بالزَّاي، أي نرفعها، وقيل: نحرِّكها.
          (ص) ({إِعْصَارٌ} [البقرة:266] رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ) قلت: وهي الَّتي يُقال لها: الزَّوبعة كما قاله الزَّجَّاج، قيل لها: إعصارٌ لأنَّها تلفُّ كالثَّوب إذا عُصر، وقيل: لأنَّه يعصر السَّحاب وهو مثلٌ للمُرائي بأعماله، وإذا كان يوم القيامة وجدَها محبطةً فيخسر.
          (ص) (وَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: {صَلدًا} لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) أي مِنَ التُّراب الَّذي كان عليه، وهذا أخرجه ابن أبي حاتمٍ مِنْ حديث الضَّحَّاك عنه بلفظ: فتركه يابسًا لا ينبت شيئًا.
          (ص) (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَابِلٌ} مَطَرٌ شَدِيدٌ) أي: عظيمٌ مقدارُه، وهذا أخرجه عبد بن حُميدٍ، و(الطَّلُّ: النَّدَى) أي مطرٌ صغير القطر يكفيها لكَرَمِ مَنبتِها، (وهذا مَثَلُ عَمَلِ المُؤْمِنِ) كما قاله، ({يَتَسَنَّهْ} يَتَغَيَّرْ) هو كما قال، والهاء أصليَّةٌ أو هاء السَّكت.
          4535- ثُمَّ ذكر البُخاريُّ حديثَ ابن عمرَ في صلاة الخوف، وقد سلف مثلُه في صلاة الخوف [خ¦943] مِنْ طريقٍ آخر إلى ابن عمرَ أيضًا.