التوضيح لشرح الجامع البخاري

{إنا أعطيناك الكوثر}

          ░░░108▒▒▒ ({إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1])
          مكِّيَّةٌ وقيل: مدنيَّةٌ، نزلت في العاصِ بن وائل أو أبي جهلٍ أو عقبة ابن أبي مُعَيطٍ أو كعب بن الأشرف، وهؤلاء بُتِرُوا بإسلام أولادِهم فانقطعت النِّسبة عنهم.
          (ص) (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شَانِئَكَ} [الكوثر:3] مُبْغِضُك) أي وعدوُّك هو الأذلُّ الأقلُّ المنقطعُ دابرُه، ثُمَّ ساق البخاريُّ ثلاثة أحاديث في الكوثر:
          4964- أحدها: حديث أَنَسٍ ☺: (لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلعم إِلَى السَّمَاءِ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤلُؤ مُجَوَّفَةً فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ)، وأخرجه مسلمٌ بنحوه وأبو داود والتِّرْمِذيُّ والنَّسَائيُّ.
          4965- ثانيها: حديثُ إِسْرَائِيلَ: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ، شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مجوَّفٌ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ. ورَوَاهُ زَكَرِيَّا وَأَبُو الأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ).
          4966- ثالثها: حديث أبي بِشْرٍ: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ أَنَّهُ قَالَ فِي الكَوْثَرِ: هو الخيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، قَالَ أَبُو بِشْرٍ) واسمُه جعفر بن أبي وحشيَّة إياسٍ اليَشْكريُّ (قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الجَنَّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهَرُ الَّذِي فِي الجَنَّةِ مِنَ الخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ).
          وروى ابنُ أبي شَيبة في كتابه «ثواب القرآن» عن وَكيعٍ عن أبي جعفرٍ عن ابن أبي نَجِيحٍ عن أنسٍ: الكوثرُ نهرٌ في الجنَّة، وقيل: الكوثرُ حوضُه ◙، حكاه الجَوْزيُّ، وروى البَيْهَقيُّ في «بعثه» عن عائشة ♦: ليس أحدٌ يدخل إصبعيه في أذنيه إلَّا سمع خرير الكوثر، وأخرجه ابن أبي شَيبة أيضًا في «ثواب القرآن» والطَّبَريُّ، وأخرجه الدَّارَقُطْنيُّ عنها مرفوعًا، / وقال عِكرمة: الكوثرُ النُّبوَّةُ والقرآنُ والإسلامُ، وقال مجاهدٌ: الخيرُ كلُّه. وفيه أقوالٌ أخر: تيسير القرآن وتخفيف الشَّرائع، أو كثرة الأتباع، أو الإيثار، أو رفع الذِّكر، أو النُّور في القلب، أو الشَّفاعة، أو المقام المحمود، أو المعجزة، أو الفقه وكثرة الفقهاء، أو كلمتا الإخلاص، أو الصَّلوات الخمس، أو ما عظم مِنَ الأمور، أو كثرة مَنْ يصلِّي، أو الذِّكر، أو كثرة الذَّاكرين مِنْ أولاده، وفيه حديثٌ أخرجه السِّلَفيُّ، أو الفضال الكثيرة، أو الخلق الحسن، أو هذه السُّورة لأنَّها مع قصرها مشتملةٌ على وجوه الإعجاز، أو نهرٌ في بطنان الجنَّة، له حوضٌ ترد عليه أمَّته، والصَّواب كما قال الطَّبَريُّ: إنَّه النَّهر الَّذِي أعطيه في الجنَّة وصفه اللَّهُ بالكثرة لعظم قدره، وقال مقاتلٌ: لأنَّه أكثر أنهار الجنَّة خيرًا، يتفجَّر منه أربعة أنهارٍ لأهل الجنان: الخمر والماء والعسل واللَّبن، قال الزَّجَّاج: جميع ما جاء في تفسير هذا قد أعطيه ◙، وفي «تفسير ابن عبَّاسٍ» قال ◙: ((لمَّا عُرِجَ بي انتهيتُ إلى سِدْرة المنتهى فإذا أربعةُ أنهارٍ: نهران ظاهران النِّيل والفرات، ونهران باطنان الكوثر والسَّلسبيل)).
          فصلٌ: وأمَّا مَنْ قال: الكوثر حوضُه، فقد أخرجه البُخاريُّ وغيرُه، فيه رواياتٌ في مساقيه وآنيته مِنْ عدَّة طرقٍ، وكذا في مسلمٍ، ولا تعارُض بينها فخاطَب كلَّ قومٍ بجهته وهو ممَّا يجب الإيمان به، وهو على ظاهره مِنْ غير تأويلٍ.