شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب يطول في الأوليين ويحذف في الأخريين

          ░103▒ باب: يُطَوِّلُ فِي الأُولَيَيْنِ(1)، وَيَحْذِفُ فِي الأخْرَيَيْنِ(2).
          فيه: جَابِر بْن سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ(3) عُمَرُ لِسَعْدٍ: (لَقَدْ(4) شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلاةِ، قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَأَمُدُّ فِي الأولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلا آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صلعم، قَالَ: صَدَقْتَ، ذَلكَ(5) الظَّنُّ بِكَ، أَوْ ظَنِّي بِكَ(6)). [خ¦770]
          قال الطبري: فيه البيان أنَّ السنة من النبيِّ صلعم مضتْ في صلاة الفريضة أن تكون الركعتان الأوليان أطول من الأخريين(7) أو ركعتِه(8) الآخرة إن كانت المغرب، وذلك أن سعدًا أخبر عمر أنه يركد في الأوليين ويخفف في الأخريين(9) وأنه مُقْتدٍ برسولِ الله صلعم في ذلك، فإذا كان كذلك فالذي ينبغي لكلِّ مصلِّ مكتوبةً أن يفعل ذلك(10).
          فإن قيل: أفرأيت إن خالف ذلك(11) فأطال في ركعتيه الأخريين(12) وخفَّف(13) الأوليين؟.
          قيل: نقول(14): إنه(15) خالف في ذلك سنة الصلاة غير أنَّ صلاتَه ماضية لا خلاف بين الجميع في جوازها، ولو لم يقرأ في جميعها إلا فاتحة الكتاب، وذلك تسوية بين جميعها في التخفيف، فإذا كان ذلك غير مفسدها(16) فالواجب أن تكون المخالفة بينهما بإطالة الأخريين وتخفيف الأوليين غير مفسدها. وفي «المختصر» عن مالك قال: لا بأس أن يقرأ في الثانية بأطول من قراءتِه في الأولى، وقال الطحاويُّ: ذهب الثوريُّ ومحمد إلى أنه يطيل في(17) الركعة الأولى من الصلوات كلِّها(18).
          وفي «الواضحة» قال: والصبح والظهر نظيرتان في طول القراءة ويُستحبُّ أن تكون الركعة الأولى أطول. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يطيل الركعة الأولى من صلاة الفجر على الثانية، وركعتا الظهر سواء، قال الطحاويُّ: ولم نجد عن مالك في ذلك نصًّا، وتقدير القراءة يدلُّ أنه(19) كان يرى التسوية دون التفضيل، و(20) حديث سعد يدل على تسوية الأوليين من الظهر والعصر، وقد ذكر البخاريُّ في باب: القراءة في الظهر، حديث أبي قَتادة أن النبي صلعم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، وسورتين يُطوِّل في الأولى ويقصر في الثانية وهو في(21) العصر كذلك، وهو الحجَّة للثوريِّ(22) ومحمد أن الركعة الأولى في كلِّ الصلوات أطول من الثانية، وهو ردٌّ لقول أبي حنيفة، وأبي يوسف أن ركعتي(23) الظهر سواء(24).
          وقوله: (لَا آلُو): لا أقصر، تقول العرب: ما ألوت(25) في حاجتك وما آلوتك(26) نصحًا: ما قصَّرت بك عن جهدي، في كتاب «الأفعال».


[1] في (م) و(ق): ((الأولتين)).
[2] في (م) و(ق): ((الأخرتين)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[4] في (م) و(ق): ((قد)).
[5] في (م): ((ذاك)).
[6] قوله: ((أو ظني بك)) ليس في (م).
[7] في (ص): ((الآخرتين)).
[8] في (م): ((ركعة)).
[9] في(م): ((الأخرتين)).
[10] في (ص): ((كذلك)).
[11] زاد في (م): ((مخالف)).
[12] في (م): ((الأخيرتين)).
[13] زاد في (م) و(ق) و(ص): ((في)).
[14] زاد في (ص): ((له)).
[15] زاد في (ق): ((قد)). في (م): ((قيل يقال إنه قد)).
[16] في (ق): ((مفسد)).
[17] قوله: ((في)) ليس في (م) و(ق).
[18] زاد في (م) و(ق): ((على غيرها)).
[19] في (م): ((وتقديره للقراءة يدل على أنه))، و في (ق): ((يدل على أنه)).
[20] في (ص): ((وفي)).
[21] في (م) و(ق): ((الثانية، وفي)).
[22] في (م): ((حجة الثوري)).
[23] في (ز): ((ركعتي)) والمثبت من (ق).
[24] قوله: ((وهو ردٌّ لقول أبي حنيفة، وأبي يوسف أن ركعتا الظهر سواء)) ليس في (م).
[25] في (ص): ((ما أليت)).
[26] قوله: ((وما ألوتك)) ليس في (م).