شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب احتساب الآثار

          ░33▒ باب: احْتِسَابِ الآثَارِ.
          وقال مجاهد: خطاكم آثار المشي في الأرض بأرجلهم(1).
          وفيه(2) أَنَس قَالَ: (قَالَ(3) النَّبِيُّ صلعم: يَا بَنِي سَلِمَةَ، أَلا(4) تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ). [خ¦655]
          قال المؤلف: قولُه: (أَلَا(5) تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ)، إنَّما قال لهم / ذلك لأنهم كانوا على بُعدٍ من مسجدِه ◙، فأرادوا أن يتحولوا بقرب المسجد فكرِه النبيُّ صلعم، أن يعرِّي(6) المدينة. قال المُهَلَّب: فحضَّهم على البقاء واحتساب الآثار، واستشعارهم(7) النية والإخلاص لله تعالى في مشيهم، ودخل في معنى ذلك كلُّ ما يُصنع لله تعالى من قليل أو كثير(8) أن يُراد به وجهُه ╡ ويخلص له فيه، وهو(9) الذي يزكو ثوابُه وأجرُه، وقال ابن عباس: في(10) الأنصار نزلت حين أرادوا أن ينتقلوا: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أعمالهم(11)، {وَآثَارَهُمْ}[يس:12]، فيما مشوا أبعدهم مكانًا(12).
          قال الطبريُّ: وفيه من الفقه صحَّة قول القائل: تفضل المقاربة بين الخطا في المشي إلى الصلاة على الإسراع إليها، وذلك أنَّ ابن عباس ذكر أنَّ قول الله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس:12]، نزلت إعلامًا من الله تعالى نبيَّه ◙ أنَّه يكتب خطا المشائين إلى الصلاة، ويوجب لهم ثوابًا حضًّا منه عز ذكره للذين(13) أرادوا النقلة إلى قرب مسجدِه(14) على الثبات في مواضعهم وإن نأتْ، وترغيبًا لهم في احتساب خطاهم ومشيهم إلى الصلاة، وقد رُوي عن النبي صلعم أنَّ من بعد من المسجد أفضل. وروى(15) ابن أبي شيبة عن وكيع عن ابن(16) أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مِهْرَان عن عبد الرحمن بن سعيد(17) عن أبي هريرة قال: ((قال رسول الله صلعم: الأبعد فالأبعد من المساجد(18) أعظم أجرًا)).
          ورُوي عن أنس أنَّه كان يتجاوز المساجد المحدَثة إلى المساجد القديمة، وفعلَه مجاهد وأبو وائل، وقد رُوي عن بعضهم خلاف هذا، سُئل الحسن: أيدع الرجل مسجد قومِه ويأتي غيرَه؟ قال(19): كانوا يحبُّون أن يُكثر الرجل قومَه بنفسِه. وسُئل أبو عبد الله بن لبابة عن الذي يدع مسجدَه ويصلِّي في المسجد الجامع للفضل في كثرة الناس فقال: لا يدع مسجدَه، وإنَّما فضل الجامع في صلاة الجمعة فقط.


[1] في (ص): ((بأرجلكم)).
[2] في (م) و(ق): ((فيه)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[4] في (م): ((لا)).
[5] في (م): ((لا)).
[6] في (م) صورتها: ((يعرر))، و في (ق): ((تعرى)).
[7] في (م) و(ق): ((واستشعار)).
[8] في (م) و(ق): ((قليل وكثير)).
[9] في (م) و(ق): ((فهو)).
[10] في (ق): ((وفي)).
[11] قوله: ((أعمالهم)) ليس في (م) و(ق).
[12] في (م) و(ق): ((فقالوا نثبت مكاننا)) بدل ((فيما مشوا أبعدهم مكانًا)), في (ص): كتب ((فيما مشوا أبعدهم مكانًا)) ثم كتب في الهامش: ((نثبت مكاننا)).
[13] في (م) و(ق): ((الذين)).
[14] في (م): ((المسجد)).
[15] في (م) و(ق): ((روى)).
[16] قوله: ((ابن)) ليس في (م).
[17] في (م) و(ق): ((سعد)).
[18] في (م) و(ق): ((المسجد)).
[19] في (م) و(ق): ((فقال)).