شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يقول إذا سمع المنادي

          ░7▒ باب: مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي.
          فيه أبو سعيد قال النبي صلعم(1): (إذا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ(2) مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ). [خ¦611] /
          وفيه: مُعَاوِيَة مِثْلهُ إلى قَوْلِهِ: (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وإذا قَالَ: حَيَّ على الصَّلاةِ، قَالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ). [خ¦612] [خ¦613]
          اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقالت طائفة: ينبغي لمن سمع الأذان أن يقول مثلما يقول المؤذِّن حتَّى يفرغ من أذانه كلِّه على عموم حديث أبي سعيد، وإليه ذهب الشافعيُّ، وقالت طائفة: إنَّما يقول مثلما يقول المؤذن في التكبير والشهادتين، ويقول في موضع قولِه: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح: لا حول ولا قوة إلَّا بالله، على ما جاء في حديث معاوية، قالوا: وهو مفسِّر لحديث أبي سعيد، هذا قول مالك، والكوفيين، ومن الحجَّة لهم(3) ما رواه بشر بن المفضل عن(4) عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النبي صلعم قال: ((إذا تشهد المؤذن فقولوا مثلما يقول)). وقال المُهَلَّب: ما بعد الشهادتين إنَّما هو إعلام للناس ودعاء لهم إلى الصلاة، فإذا كان سرًّا لم يكن له معنى؛ لأنَّه لا يسمع به أحدًا فيكون له فضل الدعوة إلى الصلاة، والسامع إنَّما يقول ذلك على وجه الذِّكر لا على وجه دعاء النَّاس إلى الصلاة، فينبغي له(5) أن يجعل مكان ذلك: لا حول ولا قوة إلَّا بالله، كما روى معاوية فهي مفتاح من مفاتيح الجنة. واختلفوا في المصلي يسمع الأذان، فقال مالك: يقول مثل قولِه من التكبير والتشهد في النافلة ولا يقولُه في الفريضة،(6) وهذا الذي يقع بنفسي(7) أنَّه أُريد بهذا الحديث، وهو قول الليث، وقال ابن شعبان: روى أبو المصعب عن مالك أنَّه يقوله(8) في الفريضة والنافلة، وهو قول ابن وهب واختارَه ابن حبيب لأنَّه تهليل وتكبير، جائزٌ أن يقولَه(9) وإن لم يسمع أذانًا، وفي «المجموعة» لابن عبدوس، عن سحنون: لا يقولُه أحدٌ في فريضة ولا نافلة، ورأى(10) أنَّه أُريد بالحديث من ليس في صلاة، وهو قول الشافعيِّ، وحجَّتُه أنَّ المؤذنين يؤذنون يوم عرفة والإمام في خطبته(11) فلا يقول مثل ما يقولون ويترك ما هو فيه، فالمصلِّي أولى بذلك. وقال(12) الطحاويُّ: لم أجد لأصحابنا في هذا نصًّا، غير أنَّ أبا يوسف قال: من أذَّن في صلاتِه إلى آخر الشهادتين لم تفسد صلاتُه إن أراد الأذان، وفي قول أبي حنيفة: تفسد(13) صلاتُه، فهذا يدلُّ من قولهم أنَّ(14) من سمع الأذان في الصلاة أنَّه لا يقولُه. قال بعض الفقهاء(15): القياس أنَّه لا فرق بين المكتوبة والنافلة في هذا الباب؛ لأنَّ الكلام محرَّم فيهما(16)، وقولُ: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح: كلام، فلا يصلح في شيء من الصلاة، وقد قال ابن المواز: إنَّه من قالَه في صلاتِه عامدًا أو قال: الصلاة خير من النوم أنَّها تفسد صلاتُه، وقال ابن خُوَيْزِمَنْدَادِ(17): هو مسيء ولا تفسد(18) صلاتُه، وأمَّا سائر الأذان فمن الذكر(19) الذي يصلح في الصلاة.(20) وقد قال قوم: إنَّ قول النبي صلعم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)) على الوجوب، وخالفهم آخرون وقالوا: هو على الاستحباب والندب، واحتجُّوا بما رواه قَتادة عن(21) الأحوص، عن علقمة، عن عبد الله قال: كناَّ مع النبي صلعم في بعض أسفارِه، فسمع مناديًا وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر. فقال رسول الله صلعم: ((على الفطرة))، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلعم: ((خرج من النار))، فابتدرناه، فإذا(22) صاحب ماشية أدركتْه الصلاة فصلَّى. قال الطحاويُّ: فهذا رسول الله صلعم قد(23) سمع المنادي فقال غير ما قال، فدل ذلك على(24) أن قوله: إذا سمعتم المنادي(25) فقولوا مثل ما يقول(26) أنه(27) على غير الإيجاب، وأنَّه على الندب وإصابة الفضل، كما علَّمهم من الدعاء الذي أمرهم أن يقولوه عند إدبار الصلوات وما أشبه(28) ذلك.


[1] في (ص): ((فيه أبو سعيد الخدري أن الرسول صلعم قال)).
[2] قوله: ((مثل)) ليس في (ق).
[3] زاد في (ق) و(ص): ((أيضًا)).
[4] قوله: ((عن)) ليس في (ق).
[5] قوله: ((له)) ليس في (ص).
[6] زاد في (ص): ((قال)).
[7] في (ق): ((في نفسي)).
[8] في (ق): ((يقول)).
[9] في (ق): ((يقول)).
[10] في (ص): ((وروي)).
[11] في (ص): ((والإمام يخطب)).
[12] في (ص): ((قال)) بدون واو.
[13] في (ص): ((لم تفسد)).
[14] في (ق): ((من قولهم على أنه)).
[15] في (ص): ((وقال بعض العلماء)).
[16] في (ق): ((فيها)).
[17] زاد في (ق) و(ص): ((عن مالك)).
[18] في (ص): ((ولا تبطل)).
[19] في (ص): ((الكلام)).
[20] زاد في (ق): ((قال الطحاوي)), زاد في (ص): ((وقال الطحاوي)).
[21] زاد في (ق) و(ص): ((أبي)).
[22] في (ص): ((فإذا هو)).
[23] قوله: ((قد)) ليس في (ص).
[24] قوله: ((ذلك على)) ليس في (ص).
[25] قوله: ((إذا سمعتم المنادي)) ليس في (ص).
[26] زاد في (ص): ((المؤذن)).
[27] قوله: ((أنه)) ليس في (ص).
[28] في (ص): ((وشبه)).