شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

          ░157▒ باب: مُكْثِ الإمَامِ فِي مُصَلاهُ بَعْدَ التَسْلِيمِ(1).
          وكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ، وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: لا يَتَطَوَّعُ الإمَامُ فِي مَكَانِهِ، وَلَمْ يَصِحَّ.
          فيه: أُمُّ سَلَمَةَ (أَنَّ النبيَّ صلعم كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا(2)). [خ¦849]
          قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فنرى _وَاللهُ أَعْلَمُ_ لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنَ النِّسَاءِ.
          وقالت مرة: فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ، فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ قَبْل أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللهِ صلعم.
          ذهب جمهور العلماء(3) أن الإمام لا يتطوع في مكانِه الذي صلَّى فيه الفريضة، وذكر(4) ابن أبي شيبة، عن عليٍّ ☺ قال: لا يتطوع الإمام حتى يتحوَّل من مكانِه أو يفصل بينهما بكلام(5)، وكرهَه ابن عمر للإمام ولم يرَ به بأسًا لغيرِه، وعن عبدالله بن عَمْرو مثلُه، وروى موسى عن(6) القاسم أنَّ الإمام إذا سلَّم فواسعٌ أن ينتفل في مكانِه، وهذا لم أجدْه لغيرِه من العلماء(7).
          وأمَّا مكث الإمام في مصلَّاه بعد السلام، فقد كرهَه(8) أكثر العلماء إذا كان إمامًا راتبًا إلا أن يكون مكثُه لعلَّة، كما فعل النبي صلعم من أجل انصراف النساء قبل أن يدركهنَّ الرجال، هذا قول الشافعيِّ وأحمد بن حنبل، وقال مالك: يقوم ولا يقعد في الصلاة(9) كلِّها إذا كان إمام مسجد جماعة، وإن كان إمامًا في سفر، فإن شاء قام وإن شاء قعد.
          وقال أبو حنيفة: كلُّ صلاة بعدها نافلة فإنَّه يقوم لها، وما لا نافلة بعدها(10) كالعصر والفجر، فإن شاء قام وإن شاء قعد، وهو قول أبي مجلز. وقال أبو(11) محمد: ينتقل(12) في الصلوات كلِّها ليتحقق المأموم أنَّه لم يبق عليه شيء من الصلاة من سجود سهو ولا غيرِه.
          وذكر ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وعائشة قالا: ((كان النبي صلعم إذا سلم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول: اللَّهُمَّ(13) أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)). وقال ابن مسعود أيضًا(14): كان النبيُّ صلعم إذا قضى الصلاة انفتل سريعًا، فإما أن يقوم وإمَّا أن ينحرف. وقال(15) ابن جبير: شرِّق أو غرِّب، ولا تَستقبل القبلة. وقال قَتادة: كان أبو بكر ☺ إذا سلَّم كأنه على الرضف حتى ينهض. وقال ابن عمر:(16) الإمام إذا سلَّم قام. وقال مجاهد: قال عمر: جلوس الإمام بعد السلام بدعة.
          وذهب جماعة من(17) الفقهاء إلى أن الإمام إذا سلَّم فإن من صلَّى خلفَه(18) من المأمومين يجوز لهم القيام قبل قيامِه إلا رواية عن الحسن والزهريِّ(19)، ذكرها عبد الرزاق قال: لا ينصرفوا(20) حتى يقوم الإمام، قال الزهريُّ(21): إنما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به(22)، وجماعة الناس على خلافهما. وروى(23) معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: إذا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف، وكانت لك حاجة، فاذهب ودعْه فقد تمَّت صلاتك.
          وفي حديث أمِّ سلمة من الفقه: أن خروج النساء ينبغي(24) أن يكون قبل خروج الرجال(25).


[1] في (م) و(ق): ((السلام)).
[2] في (م): ((كثيرًا)).
[3] زاد في (م) و(ق): ((إلى)).
[4] في (م) و(ق): ((ذكر)).
[5] في (ص): ((بسلام)).
[6] زاد في (م) و(ق): ((ابن)).
[7] في (م) و(ق): ((الفقهاء)).
[8] في (م) و(ق): ((فكرهه)).
[9] في (م): ((الصلوات)).
[10] في (م): ((لها)).
[11] قوله: ((أبو)) ليس في (ق) و(م).
[12] في (ق): ((ينفتل)).
[13] قوله: ((اللَّهُمَّ)) ليس في (ق).
[14] قوله: ((أيضًا)) ليس في (ق).
[15] زاد في (م) و(ق): ((سعيد)).
[16] زاد في (ق): ((كان)).
[17] قوله: ((من)) ليس في (م).
[18] في (ق): ((فإن على من خلفه)).
[19] قوله: ((والزهري)) ليس في (م) و(ق).
[20] في (م): ((ينصرف)).
[21] في (م): ((وعن الزهري مثله قال)).
[22] زاد في (م): ((لا ينصرف)).
[23] في (م): ((روى)).
[24] في (م) و(ق): ((يجب)).
[25] زاد في (م) و(ق): ((وأن يبتدرن [في (ق): ((يبتدرون))] الخروج)).