شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: أمر النبي الذي لا يتم ركوعه بالإعادة

          ░122▒ باب: أَمْرِ النبيِّ صلعم الَّذِي لا يُتِمُّ رُكُوعَهُ بِالإعَادَةِ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ على النَّبِيِّ صلعم، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلعم ◙(1)، فَقَالَ له: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فسلّم على النَّبِيِّ صلعم(2)، وقَالَ(3): ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، ثَلاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، قَالَ: إِذَا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ تفْعَلُ(4) ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا). [خ¦793]
          قال المؤلف: استدلَّ بهذا الحديث جماعة من الفقهاء، فقالوا: الطمأنينة في الركوع والسجود فرض لا تُجزئ صلاة من لم يرفع رأسَه، ويعتدل في ركوعِه وسجودِه ثم يقيم صلبَه، وقالوا(5): ألا ترى أنَّ النبي صلعم قال له: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، ثم علمَّه الصلاة وأمرَه بالطمأنينة في الركوع والسجود.
          هذا قول الثوريِّ وأبي يوسف والأوزاعيِّ والشافعيِّ وأحمد وإسحاق وابن وهب صاحب مالك قال: من لم يعتدل قائمًا من ركوعِه حتَّى يسجد(6) فلا يعتدُّ بتلك الركعة. وفيها قول آخر، روى ابن القاسم عن مالك في «العتبية»، قال: من(7) رفع رأسَه من الركوع فلم يعتدل قائمًا حتى يسجد(8) يجزئه ولا يعود، وقالَ(9) ابن القاسم في(10) «كتاب ابن سحنون»، وروى(11) ابن وهب عن مالك مثل ذلك(12) في «العتبية». روى(13) عيسى عن ابن القاسم فيمن رفع رأسَه من السجود، فلم يعتدل جالسًا حتى سجد(14): يستغفر الله ولا يعود.
          وذكر ابن المواز عن ابن القاسم مثلَه، وهو قول أبي حنيفة ومحمَّد. وكذلك اختلفوا فيمن خرَّ من ركوعِه ساجدًا، ولم يرفع رأسَه(15)، فروى عيسى عن ابن القاسم أنَّه لا يعتدُّ بتلك الركعة، واستحبَّ مالك أن يتمادى ويعيد الصلاة، وفي «المجموعة» روى عليُّ بن زياد، عن مالك أنَّ(16) من فعل ذلك ساهيًا، فليسجد قبل السلام وتجزئه تلك الركعة، وفي «الواضحة» عن ابن كنانة: تجزئه تلك الركعة، واحتجَّ(17) أبو عبدالله بن أبي صُفرة(18) لهذا القول أنَّ النبيَّ صلعم أمر هذا الرجل حين لم يكمل الركوع والسجود بالإعادة، ولم يأمر الذين نقصوا الركوع والسجود بالإعادة حين قال لهم: ((إني أراكم(19) من وراء ظهري))، فدلَّ ذلك من فعلِه(20) أنَّ الطمأنينة لو كانت فريضة، لما ترك الذين قال لهم: لا(21) يخفى عليَّ خشوعكم حتى(22) بيّن(23) لهم ذلك لأنه بُعث معلمًا صلعم. قال المُهَلَّب: والدليل على صحة هذا القول أنَّه صلعم لما أمر الذي لم يُحسِن / صلاتَه بالإعادة مرَّة بعد أخرى، ولم يحسِنْ(24) قال له: والله ما أحسن غير هذا فعلِّمني، فوصف له صلعم هيئة(25) الصلاة، ولم يأمرْه أن يعيد الصلاة التي نقصها مرَّة(26) أخرى على الصفة التي علَّمَه، ولم يقل له: لا يجزئك حتى تصلي هذه الصلاة على هذه الصفة، وإنما علَّمَه كيف يصلي فيما يستقبل.
          واحتجَّ الرازيْ لأبي حنيفة بحديث رِفاعة بنِ رافع في تعليم الأعرابي أنَّ النبي صلعم، قال له: (ثم ارفع(27) فاعتدل قائمًا)، وذكر الحديث قال: إذا(28) صليت على هذا فقد أتممتها، وما انتقصت(29) من ذلك فإنما تنقص من صلاتك، فجعلُها ناقصةً يدلُّ على الجواز(30).


[1] قوله: ((فَرَدَّ النَّبِيُّ صلعم ◙)) ليس في (م) و(ق).
[2] في (ص): ((ثم جاء إلى النبي صلعم)).
[3] في (ق) و(م): ((فقال)).
[4] في (ق) و(م) و(ص): ((افعل)).
[5] في (م) و(ق): ((قالوا)).
[6] في (ق): ((سجد)).
[7] في (م): ((العتبية فيمن)).
[8] في (م) صورتها: ((سجد قال)).
[9] في (ق) و(م) و(ص): ((وقاله)).
[10] في (م): ((وفي)).
[11] في (م) و(ق): ((روى)).
[12] في (م) و(ق): ((ما)).
[13] في (ق) و(م): ((وروى)).
[14] زاد في (م): ((قال)).
[15] في (م) و(ق): ((اختلفوا فيمن لم يرفع رأسه من ركوعه حتى خرَّ ساجدًا)).
[16] قوله: ((ان)) ليس في (م) و(ق)، وفي (ص): ((أي)).
[17] في (م) و(ق): ((وقال)).
[18] زاد في (م) و(ق): ((والحجة)).
[19] في (م): ((لأراكم)).
[20] زاد في (م) و(ق): ((◙ على)).
[21] في (م) و(ق): ((ما)).
[22] في (ص): ((حين)).
[23] في (م) و(ق) و(ص): ((يبين)).
[24] زاد في (م) و(ق): ((أخرى)).
[25] في (ص): ((بقية)).
[26] قوله: ((مرَّة)) ليس في (ق).
[27] في (م) و(ق): ((اركع)).
[28] في (م) و(ق): ((فإذا)).
[29] في (ص): ((أنقصت)).
[30] زاد في (ز) و(ص) وقال: إنها ليست من الكتاب: ((والصحيح هو القول الأول أخذًا بظاهر الحديث وهو قول النبي صلعم فإنك لم تصلّ ويؤيد هذا ما خرجه أبو داود عن ابن مسعود البدري قال: قال رسول الله صلعم: لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع وفي السجود، وقوله ◙: صلوا كما رأيتموني أصلي، والقول بما ثبت عنه ◙ وتلقاه الجمهور بالقبول أولى من كل ما خالفه، وقد قال صلعم: جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، وكفى بهذا شدة ومخافة، ورسول الله صلعم هو المبين عن الله تعالى قولًا وفعلًا، وفي «الاستذكار» روى ابن وهب عن مالك أنه قال من لم يرفع رأسه ويعتدل في ركوعه وسجوده ويقيم في ذلك كله صلبه لم تجزه صلاته وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وذكر المذكورين في أول الباب وزاد داود والطبري))، وزاد (ص) أيضًا بعد ذلك: ((ومن عند قوله: والصحيح هو القول الأول إلى آخر الباب (...) وذلك من كلام مؤلف الكتاب)).