شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه

          ░55▒ باب: إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رسولَ اللهِ صلعم قَالَ: يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَأوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ). [خ¦694]
          قال المُهَلَّب: فيه جواز الصَّلاة خلف البرِّ والفاجر إذا خيف منه. وفيه أنَّ الإمام إذا نقص ركوعُه وسجودُه أنَّه لا تفسد صلاة من خلفَه، إلَّا أن ينقص فرض الصَّلاة فلا يجوز اتِّباعُه، فإن خيف منه صلَّى معَه بعد أن يصلِّي في بيتِه وتكون الصَّلاة(1) نافلة، وقال غيرُه: قولُه(2): (فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ)، أي: أصابوا الوقت، وكذلك قولُه: (وَإِنْ أَخْطَأوا)، يعني: الوقت، وكذلك كان(3) بنو أميَّة يؤخِّرون الصَّلاة تأخيرًا شديدًا، ويدل على صحِّة هذا ما رواه أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زرٍّ عن عبدالله قال: قال رسول الله صلعم: ((لعلكم تدركون(4) أقوامًا يُصلُّون الصَّلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلُّوا في بيوتكم في الوقت الذي تعرفون، ثمَّ صلُوا معهم واجعلوها سُبْحة)) ورواه ثوبان وأبو ذرٍّ(5) عن النبيِّ صلعم.
          فهذا الحديث يفسر(6) حديث أبي هريرة، ويدلُّ أنَّ قولَه ◙: (فإِنْ أَخْطَأوا فَلَكُمْ)، يعني: صلاتكم في بيوتكم في الوقت، وكذلك كان جماعة من السلف يفعلون، رُوي(7) عن ابن عمر أنَّ الحجَّاج لما أخَّر الصَّلاة بعرفة، صلَّى ابن عمر في رحلِه، وثمَّ الناس(8) ووقف(9)، قال: فأمر به الحجَّاج فحُبس(10)، وكان الحجَّاج يؤخِّر الصَّلاة يوم الجمعة، وكان أبو وائل يأمرنا أن نصلي في بيوتنا ثمَّ نأتي المسجد، وكان إبراهيم يصلِّي في بيتِه، ثمَّ يأتي الحجَّاج فيصلِّي معَه، وفعلَه مسروق مع زياد. وكان عطاء وسعيد بن جبير في زمن الوليد إذا أخَّر الصَّلاة أومآ في مجالسهما ثمَّ صليا معَه، وفعلَه مكحول مع الوليد أيضًا، وهو مذهب مالك في أئمِّة الجور إذا أخَّروا الصَّلاة عن وقتها، وقد رُوي عن بعض السَّلف أنَّهم كانوا لا يعيدون الصَّلاة معهم.
          وروى(11) ابن أبي شيبة عن وكيع قال: حدَّثنا بسام قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليٍّ عن الصَّلاة خلف الأمراء، فقال: صلِّ معهم، قد كان الحسن والحسين يعدَّان(12) الصَّلاة خلف مروان، قلت(13): إنَّ الناس كانوا يزعمون أنَّ ذلك تقيَّة، فقال(14): وكيف إن كان الحسن بن عليٍّ ليسبُّ مروان في وجهِه وهو على المنبر حتَّى يولي!، وقيل لجعفر بن محمد: كان أبوك يصلِّي إذا رجع إلى البيت؟ فقال: لا والله ما كان(15) يزيد على صلاة الأئمَّة، وقال إبراهيم: كان عبدالله يصلِّي معهم إذا أخَّروا عن الوقت قليلًا، ويرى أنَّ مأثم ذلك عليهم.


[1] زاد في(م): ((معه)).
[2] قوله: ((قوله)) ليس في (م).
[3] في (ق): ((كانوا)).
[4] في(م): ((ستدركون)).
[5] في(م): ((ثور)).
[6] في(ز): ((نفسه)) والمثبت من (ق) و(م).
[7] في (ق): ((وروي)).
[8] في (ص): ((ناس)).
[9] في(م) و(ق): ((وثم ناس وقف)).
[10] زاد في(م): ((به))، و صورتها في (ق): ((فيحبس به)).
[11] في(م): ((روى)).
[12] في(م) و(ق): ((يبتدران)) وفي (ص): ((يعيدان)).
[13] زاد في (ق): ((له)).
[14] في (م): ((قال)).
[15] قوله: ((كان)) ليس في (م).