شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إتمام التكبير في السجود

          ░116▒ وترجم لحديث عِمْرَان: باب إتمام التكبير في السجود.
          وزاد فيه: فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ. [خ¦786]
          وترجم لحديث أبي هريرة: باب التكبير إذا قام من السجود.
          وزاد فيه: عن أبي هُرَيْرَةَ: (أَنَ النبيَّ صلعم كان يكبر إِذَا قَامَ إلى الصَّلاةِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ(1) يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ(2)، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاةِ كُلِّهَا، ثم يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ). [خ¦789]
          وذكر فيه حديث عِكْرِمَةَ قَالَ: (صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ، فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلعم). [خ¦788]
          قال المؤلف(3): هذه الآثار(4) تدل على(5) أن التكبير في كل خفض ورفع لم يكن مستعملًا عندهم، ولولا ذلك ما قال عِمْرَان: ((ذكرنا علي صلاة رسول الله صلعم))، ولا قال أبو هريرة: ((إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلعم))، ولا أنكر عِكْرِمَة على الذي كبر اثنتين وعشرين تكبيرة، ولا نسبه إلى الحمق، وهذا يدل أن التكبير في غير الإحرام لم يتلقه السلف على أنه ركن من أركان الصلاة، وقد فعله جماعة من السلف وتركه جماعة، ولم يقل أحد ممن فعله لمن لم يفعله إن صلاتك لا تتم إلا به.
          فممَّن كان يُتم التكبير ولا ينقصه من(6) الصلاة(7) في كل خفض ورفع: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وجابر وأبو هريرة وابن الزبير.
          ومن التابعين: مكحول والنخعي، وهو قول مالك والأوزاعي والكوفيين والشافعي وأبي(8) ثور وعوام العلماء.
          وممن كان ينقص التكبير: ذكر الطبري قال: سُئِل أبو هريرة: من أول من ترك التكبير إذا رفع رأسه وإذا وضعه؟ قال: معاوية.
          وعن عُمَر بن عبد العزيز والقاسم وسالم وابن سيرين وسعيد بن جبير مثله، واحتجوا بما رواه شعبة عن الحسن بن عِمْرَان عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزَى(9) عن أبيه قال: صليت خلف النبي صلعم فكان لا يتم التكبير، وكان ابن عمر ينقص التكبير، قال مسعر: إذا انحط بعد الركوع للسجود لم يكبر، وإذا أراد أن يسجد الثانية من كل ركعة لم يكبر، وقال سعيد بن جبير:(10) إنما هو شيء يزين به الرجل صلاته.
          وقال(11) قوم من العلماء: التكبير إنما هو إذن بحركة(12) الإمام وليس بسنة إلا في الجماعة، فأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر.
          وقال أحمد بن حنبل: كان ابن عمر لا يكبر إذا صلى وحده، واختلف أصحاب مالك فيمن ترك التكبير في الصلاة، فقال ابن القاسم: من أسقط ثلاث تكبيرات من الصلاة فما فوقها سجد للسهو قبل السلام، فإن لم يسجد بطلت صلاته، وإن نسي تكبيرة واحدة أو اثنتين سجد السهو قبل السلام(13)، فإن لم يفعل فلا شيء عليه. وروي عنه أن التكبيرة الواحدة لا سهو على من نسيها.
          وقال عبدالله بن عبد الحكم وأصبغ بن الفرج: ليس على من سها عن التكبير في الصلاة كلها شيء إذا كبر للإحرام إلا سجود السهو، فإن لم يفعل حتى تباعد فلا شيء عليه، واختاره ابن المواز وابن حبيب، وآثار هذا الباب تدل على صحة هذا القول(14)، ولا سجود فيه عند الشافعي، قال ابن القصار: و على أصل أبي حنيفة فيه السجود، وحكى الطحاوي خلاف هذا القول(15) قال: أجمعوا أن من ترك تكبير(16) الركوع والسجود فصلاته تامة.
          وقال(17) الطبري: الحسن بن عِمْرَان مجهول ولا يجوز الاحتجاج به، غير أنه وإن كان كذلك فإنا لا نرى صلاة من ترك شيئًا من التكبيرات سوى تكبيرة الإحرام(18) فاسدة، وإن كان مخطئًا سنته صلعم، لإجماع سلف الأمة وخَلَفِها أنَّ صلاة من فعل ذلك غير فاسدة.
          وفي تكبير أبي هريرة كلما خفض ورفع من الفقه أن التكبير / ينبغي أن يكون من(19) الخفض والرفع مع الفعل سواء، لا يتقدمه ولا يتأخر عنه، هذا(20) قول أكثر العلماء، ذكره الطحاوي عن الكوفيين والثوري والشافعي، قالوا: ينحط للركوع والسجود وهو يكبر(21)، وكذلك يفعل في حال الرفع، وفي حال القيام من الجلسة الأولى، يكبر في حال القيام وكذلك قال مالك، إلا في حال القيام من الجلسة الأولى فإنه يقول(22): لا يكبر حتى يعتدل قائمًا، هذا قوله في المدونة، في(23) المبسوط: روى ابن وهب عن مالك: إن كبر بعد استوائه فهو أحب إليَّ، وإن كبر(24) في نهوضه بعد ما(25) يفارق الأرض فأرجو أن يكون في سعة.
          قال الطحاوي: فأخبر(26) في هذا الحديث أن التكبير كان في حال الخفض والرفع، ولما اتفقوا في الخفض والرفع أن الذكر مفعول فيه وجب(27) أن يكون كذلك حال القيام من الجلسة الأولى.
          وسأذكر وجه(28) قول مالك أنه لا(29) يكبِّر حتى يعتدل قائمًا، في أبواب السجود(30) في باب يكبر وهو ينهض بين السجدتين، إن شاء الله تعالى.


[1] في (م): ((ثم)).
[2] زاد في (م): ((ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه)).
[3] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م).
[4] زاد في (م): ((كلها)).
[5] قوله: ((على)) ليس في (م).
[6] في (ص): ((في)).
[7] قوله: ((من الصلاة)) ليس في (م).
[8] في (م): ((وأبو)).
[9] قوله: ((بن أبزى)) ليس في (م).
[10] زاد في (م): ((التكبير)).
[11] في (م): ((وقد قال)).
[12] في (م): ((بحركات)).
[13] قوله: ((فإن لم يسجد بطلت صلاته، وإن نسي تكبيرة واحدة أو اثنتين سجد السهو قبل السلام)) ليس في (م).
[14] في (م): ((الباب تشهد لهذا القول)).
[15] قوله: ((القول)) ليس في (م).
[16] في (ص): ((تكبيرة)).
[17] في (ص): بياض مكان الـ((و)).
[18] في (م): ((الافتتاح)).
[19] في (م): ((في)).
[20] في (ص): ((فهذا)).
[21] في (ص): ((مكبر)).
[22] في (م): ((قال)).
[23] في (م) و(ص): ((وفي)).
[24] قوله: ((بعد استوائه فهو أحب إليَّ، وإن كبر)) ليس في (م).
[25] قوله: ((ما)) ليس في (ص).
[26] في (م): ((وأخبر)).
[27] قوله: ((تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. وبما رواه الليث، عن خالد....الذكر مفعول فيه وجب)) ليس في (ق).
[28] قوله: ((وجه)) ليس في (ص).
[29] قوله: ((لا)) ليس في (م).
[30] قوله: ((في أبواب السجود)) اتى بعد قوله الآتي ((ينهض بين السجدتين)) في (م).