شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الرجل فاتتنا الصلاة

          ░20▒ باب: قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلاةُ.
          وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلِ(1): فَاتَتْنَا الصَّلاةُ(2)، ولِيَقُلْ: لَمْ نُدْرِكْ وَقَوْلُ النبي صلعم أَصَحُّ.
          فيه: ابْن أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَال: (بَيْنَمَا نَحْنُ(3) نُصَلِّي مَعَ النبي صلعم إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إلى الصَّلاةِ، قَالَ: فَلا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ(4)، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا). [خ¦635]
          قال المؤلف: قولُه صلعم: (وما فاتكم، فأتموا)، يقتضي جواز قول الرَّجل: فاتتنا الصلاة، ولا وجه لقول ابن سيرين. وفيه: الأمر بالسكينة في الإقبال إلى الصلاة، وترك الإسراع إليها. وقد اختلف السلف في ذلك، فرُوي عن أبي ذرٍّ أنَّه قال: إذا أُقيمت الصلاة فامشِ(5) إليها كما كنتَ تمشي، فصلِّ ما أدركت واقض(6) ما سُبقت(7)، وعن أبي هريرة، وزيد بن ثابت مثلُه، ورواه(8) أبو هريرة، وأنس(9) عن النبي صلعم مثله(10). روى(11) حمَّاد بن سلمة عن أيوب(12) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلعم قال: ((إذا أُقيمت الصلاة، فليمش أحدكم نحو ما كان يمشي، فليصلِّ ما أدرك، وليقضِ ما فاتَه))، وحديث أنس رواه حماد(13) عن ثابت وقَتادة وحميد عن أنس عن النبي صلعم نحوه(14)، وقال ابن مسعود: امشوا إلى الصلاة، وقاربوا بين الخُطا، واذكروا الله. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر: أنَّه كان يمشي إلى الصلاة، فلو مشت معَه نملة لرأيت ألَّا يسبقها، وعن مجاهد مثله، وهو قول أحمد بن حنبل(15) على ظاهر الحديث، وقد رخصت(16) طائفة في الإسراع إلى الصلاة، رُوي عن ابن مسعود خلاف ما تقدَّم عنه، أنَّه قال: أحقُّ ما سعينا إليه الصلاة، وكان ابن مسعود(17)، وسعيد بن جبير يهرولان إلى الصلاة، وروى مالك(18)، عن نافع، عن ابن عمر أنَّه سمع الإقامة فأسرع المشي، وهذا يدلُّ مع ما رُوي عنه أنَّه(19) لا يسرع المشي إلى الصلاة، أنَّه حمل معنى قولِه ◙: ((عليكم بالسكينة(20)))، أنَّ المراد به من لم يخشَ فوات الصلاة، وكان في سعة من وقتها، وقد رُوي عن مالك مثل قول ابن عمر، وروى(21) عنه ابن القاسم أنَّه قال: لا بأس بالإسراع إذا أُقيمت الصلاة ما لم يَخُبَّ، إذا خاف فوت الركعة، وقال: لا بأس أن يحرك فرسه من سمع مؤذن الحرم(22) ليدرك الصلاة، وقال إسحاق بن راهويه: إذا خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسعى.


[1] قوله: ((الرجل)) ليس في (م) و(ق).
[2] قوله: ((الصلاة)) ليس في (م) و(ق).
[3] في (م) و(ق): ((فيه أبو قتادة: بينا نحن)).
[4] في (م): ((السكينة)).
[5] في (م): ((فليمش)).
[6] في (م) و(ق): ((وصلِّ)).
[7] زاد في (ق): ((به)).
[8] في (ص): ((وروى)).
[9] قوله: ((وأنس)) ليس في (م) و(ق).
[10] قوله: ((مثله)) ليس في (م) و(ق).
[11] في (م): ((ذكر))، و في (ق): ((ذكره)).
[12] في (ص): ((عن أبي أيوب)).
[13] في (م) و(ق): ((فاته، ورواه حماد)).
[14] في (م) و(ق): ((مثله)).
[15] قوله: ((بن حنبل)) ليس في (م) و(ق).
[16] في (م) و(ق): ((ورخَّصت)).
[17] في (م) و(ق): ((وكان الأسود بن يزيد)).
[18] في (م): ((وروي مثله)).
[19] زاد في (م) و(ق): ((كان)).
[20] في (م) و(ق): ((عليكم السكينة، على)).
[21] في (م) و(ق): ((روى)).
[22] في (م) و(ق): ((الحرس)).