شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إمامة العبد والمولى

          ░54▒ باب: إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى.
          وكانت عائشة يؤمُّها عبدها(1) ذكوان من المصحف.
          وولد البغيِّ، والأعرابي والغلام الذي لم يحتلم، لقول النبيِّ ◙: ((يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ))، ولا يمنع العبد من الجماعة لغير علِّة.
          فيه: ابْن عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأوَّلُونَ الْعُصْبَةَ(2) _مَوْضِعٌ(3) بِقُبَاءٍ_ قَبْلَ مَقْدَمِ النبيِّ صلعم، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا. [خ¦692]
          وفيه: أَنَس: (قَالَ النبيُّ صلعم: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ(4) اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ). [خ¦693]
          قال المؤلف(5): أمَّا العبد والمولى وولد البغيِّ والأعرابي والصبيِّ الذي لم يحتلم فإمامتهم جائزة(6) لأنَّهم كلَّهم دخلوا(7) في قولِه صلعم: (يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ)، وهذا الحديث وإن كان أشار إليه البخاريُّ(8) واعتمد عليه، فلم يخرجِه(9) في «مصنَّفِه» هذا، وقد ذكرتُه في باب أهل العلم والفضل أحقُّ بالإمامة وهو حديث حسن(10) أخرجَه المصنِّفون، وهو أصل في معناه. وممَّن أجاز إمامة العبد غير عائشة: أبو ذرٍّ وحذيفة وابن(11) مسعود، ومن التابعين: الحسن وابن سيرين والنخعيُّ والشَّعبيُّ والحكم، ومن الفقهاء: الثوريُّ وأبو حنيفة والشافعيُّ وأحمد وإسحاق. وكره إمامتَه أبو(12) مجلز، وقال مالك: لا يؤمُّ العبد الأحرار إلَّا أن يقرأ وهم(13) لا يقرءون، ولا يؤمُّهم في عيد ولا جمعة، والحجَّة له(14) أنَّ إمامة سالم للمهاجرين إنَّما كانت(15) لأنَّه كان في أول الإسلام وكان أكثرهم قرآنًا، ولم تجز إمامتُه في الجمعة لأنَّها لما سقطتْ عنه شبَّهَه(16) بمن لا تجب عليه أصلًا، ومن(17) أجاز إمامتَه فيها قال: إذا حضر الجمعة صار من أهلها وأجزأت عنه الركعتان إذا كان مأمومًا، فكذلك إذا كان إمامًا.
          وأمَّا قولُه صلعم: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمل عليكم(18) حبشيٌّ كأنَّ رأسَه زبيبة))، فقد رواه أنس عن النبيِّ صلعم وقال فيه: عبد حبشيٌّ، ذكرَه البخاريُّ في كتاب الأحكام. ففيه حجَّة لمن أجاز إمامة العبد راتبًا وفي الجمعة وغيرها لأنَّه صلعم إذا أمر بطاعة العبد الحبشيِّ فقد أمر بالصَّلاة خلفَه، وقد قال النَّخَعِي: ربَّ عبدٍ خَيرٌ من مولاه(19). وممن أجاز إمامةَ ولد الزنا إذا كان مرضيًّا النَّخَعِيُّ والشَّعبيُّ وعطاء والحسن، وقالت عائشة: ليس عليه من وزر أبويه شيء {وَلَا(20) تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:64]، وهو قول الثوريِّ وأبي حنيفة والأوزاعيِّ وأحمد وإسحاق. وكرِه إمامتَه عُمَرُ بن عبد العزيز ومجاهد، وقال مالك: أكرَه أن يكون إمامًا راتبًا، وإنَّما ذلك لما ينالُه من الألسنة وتأثُّم الناس.
          وأمَّا الأعرابي فإن كان عالمًا فهو والحضريُّ سواء، ولكنَّ الكلام خرج فيمن(21) كره إمامتَه على الأغلب من جهلهم بحدود الصَّلاة، وممَّن كرِه إمامتَه أبو(22) مجلز ومالك بن أنس، وقال(23): لا يؤمُّ الأعرابيُّ وإن كان أقرأهم، لما ذكرناه من جهلهم بسنَّة الصَّلاة، وأجاز إمامتَه الثوريُّ وأبو حنيفة والشافعيُّ / وإسحاق.
          وأمَّا إمامة الصبيِّ الذي لم يحتلم فأجازها(24) الحسن البصريُّ، وهو قول الشافعيِّ وإسحاق وأبي ثور، وكرهها عطاء والشَّعبي، وهو قول مالك والثوريِّ وأبي حنيفة. وأجاز الإمامة من المصحف: ابن سيرين والحكم بن عُتَيْبة(25) وعطاء والحسن، وكان أنس يُصلِّي وغلامُه خلفَه يمسك له المصحف، فإذا تعايا في آية فتح عليه، وأجازَه مالك في قيام رمضان، وكرهَه(26) النَّخَعِي وسعيد بن المسيَّب والشَّعبيُّ، ورواية عن الحسن وقال: هكذا يفعل النصارى.


[1] قوله: ((عبدها)) ليس في (ق).
[2] في(م) و(ق): ((المعصب)).
[3] في (ق): ((موضعا)).
[4] قوله: ((إن)) ليس في (ق).
[5] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م).
[6] في(م): ((يحتلم فتجوز إمامتهم)).
[7] في(م): ((داخلون)).
[8] زاد في(م): ((في هذا الباب)).
[9] زاد في(م): ((بإسناده)).
[10] في(م) و(ق): ((جيد)).
[11] في(م): ((وأبو)).
[12] في(م): ((ابن)).
[13] في (ق): ((إلا أن يكونوا هم)).
[14] قوله: ((له)) ليس في (م).
[15] في (ق): ((كان)).
[16] في (ق): ((شبهته)).
[17] صورتها في (ز): ((وممن)).
[18] قوله: ((عليكم)) ليس في (م) و(ق).
[19] في(م) و(ق): ((حرٍّ)).
[20] في(م): ((لا)).
[21] في(م) و(ق): ((ممن)).
[22] في(م): ((ابن)).
[23] في (ق): ((قال)).
[24] في(م): ((فأجازه)).
[25] قوله: ((بن عتيبة)) ليس في (م) و(ق) وفي (ص): ((ابن عيينة)).
[26] في(م) و(ق): ((وكره ذلك)).