شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الأذان مثنى مثنى

          ░2▒ باب: الأذَانُ مَثْنَى(1).
          فيه: أَنَس قَالَ: (أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأذَانَ، وَ يُوتِرَ الإقَامَةَ). [خ¦605]
          ورواه خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَنَس(2) ولم يقل فيه(3) الإقامة. [خ¦606]
          اختلف العلماء في صفة الأذان، فقال مالك، والليث، وأبو يوسف: الأذان مثنى مثنى، وأولُه: ((الله أكبر، الله أكبر))، مرَّتين، وقال أبو حنيفة، والثوري، والشافعي: الأذان مثنى مثنى، وأوله: ((الله أكبر، الله أكبر))(4)، أربع مرات، واحتجَّ هؤلاء بروايات رُويتْ في أحاديث أبي محذورة، وعبد الله بن زيد فيها: ((الله أكبر، الله أكبر))، أربع مرات، قالوا: وهي زيادة يجب قبولها.
          واحتجَّ أهل المقالة الأولى بأنَّه قد رُوي من طرق صحاح في أذان أبي محذورة وعبد الله ابن زيد: ((الله أكبر)) مرَّتين، وكذلك في أذان آل سعد القرظ، قالوا: فلما وردت الآثار على هذا الاختلاف، ثم(5) رأينا أهل المدينة يعملون خَلَفهم عن سَلفهِم على المرَّتين لا يزيدون عليها، وينقلونَه نقلًا متواترًا يقطع العذر، سقط معَه حكم الزائد، وقول أنس: ((أُمر(6) أن يشفع الأذان(7)))، حجَّة في ذلك أيضًا؛ لأنَّ شفع الأذان تثنيته، وإذا قال: الله أكبر أربع مرات، فقد خالف الخبر بذلك، ولم يشفع الأذان كلَّه، ولو لم يكن هناك خبر يعضد عملهم لكان عملهم أقوى من كلِّ شيء يردِ من طريق خبر الواحد؛ لأنَّ الأذان مما يتكرَّر كلَّ يوم خمس مرات، ولا يُؤخذ قياسًا، علمنا أنَّهم عملوا / ذلك من جهة النبيِّ صلعم؛ فوجب الرجوع إلى ما هم عليه كما رجع من خالفهم إلى صاعهم ومُدِّهم، وقالت طائفة: الاختلاف في هذه الآثار كلِّها يدلُّ على إباحة ذلك(8)، فمن شاء أن يُؤذِّن بكلِّ ما رُوي منها لأنَّه قد ثبت عن النبيِّ صلعم جميع ذلك، كما المتوضئ بالخيار إن شاء توضَّأ مرَّة مرَّة(9)، وإن شاء مرَّتين مرَّتين، هذا قول أحمد وإسحاق والطبريُّ.


[1] في (ق) و(ص): ((باب الأذان مثنى مثنى)).
[2] في (ص): ((عن أنس بن مالك)).
[3] زاد في (ق): ((إلا)).
[4] قوله: ((مرَّتين، وقال أبو حنيفة، والثوري، والشافعي: الأذان مثنى مثنى، وأوله: «الله أكبر، الله أكبر»)) ليس في (م)، وهي مثبتة من (ق).
[5] في (ص): ((و)).
[6] زاد في (ق) و(ص): ((بلال)).
[7] زاد في (ص): ((ويوتر الإقامة)).
[8] في (ص): ((على الإباحة)).
[9] قوله: ((مرة)) ليس في (ق).