شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب سنة الجلوس في التشهد

          ░145▒ باب سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ.
          وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلاتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً.
          فيه: ابْنَ عُمَرَ: (أنَّه تَرَبَّعُ فِي الصَّلاةِ في جَلَوسه، فَفَعَلْهُ ابنُه عبدالله، وَهو يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَاه ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِي الْيُسْرَى، فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ رِجْلاي(1) لا تَحْمِلانِي). [خ¦827]
          وفيه: أَبُو حُمَيْدٍ: (أنَّه حكى صَلاةَ رَسُولِ اللهِ صلعم في نفر مِن أصحابِه، وقال: أَنَا أَحْفَظَكُمْ لذلك، رَأَيْتُهُ صلعم إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَو(2) مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ مَكَنَ(3) يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ اسْتَوَى، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ إلى(4) مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، وَإِذَا(5) جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ على(6) رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا(7) جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأخْرَى، وَقَعَدَ على مَقْعَدَتِهِ). [خ¦828]
          اختلف العلماء في صفة الجلوس في الصلاة، فذهب قوم إلى حديث ابن عمر وقالوا: سنَّة الجلوس في الصلاة كلِّها وبين السجدتين أن ينصب رجلَه اليمنى ويثني اليسرى، ويقعد على وركِه الأيسر حتَّى يستوي قاعدًا، هذا قول مالكٍ، ورُوي عن النَّخَعِي وابن سيرين. وذهب آخرون إلى حديث أبي حميد وقالوا: أمَّا القعود في آخر الصلاة، فكما قال أهل المقالة الأولى لأنَّ الجلسة الآخرة فيه مقاربة لما قال ابن عمر، وأمَّا القعود في الجلسة الأولى فعلى الرِّجل اليسرى على ما(8) في حديث أبي حميد، هذا قول الشافعيِّ و(9) أحمد وإسحاق.
          وذهب الثوريُّ والكوفيون في الجلوس كلِّه إلى الجلسة الأولى من حديث أبي حميد، وهو أن يجلس على رجلِه اليسرى مبسوطةً تحتَه، وينصب قدمَه اليمنى. وحجَّة أهل المقالة الأولى، قول ابن عمر: إنَّ ذلك سنَّة الصلاة والصاحب إذا ذكر السنَّة، فلا تكون إلا سنَّة النبي صلعم إمَّا بقول منه أو بفعل شاهدَه.
          وحجة أهل المقالة الثانية: أنَّ أبا حميدٍ أراهم صلاة النبيِّ صلعم، في نفر من الصحابة(10) ولم ينكروا عليه، فدلَّ أنَّ فعلَه سنَّة. واحتج الكوفيون بحديث وائل بن حجر أنَّ النبيَّ صلعم كان إذا جلس في الصلاة فرش رجلَه اليسرى ثمَّ قعد عليها، وقد قال بعض العلماء: إن هذه الصفات كلُّها يجوز العمل بأيّها شاء المصلِّي لأنَّها مرويَّة عن النبيِّ صلعم، وقد رُوي عن جماعة من السلف أنَّهم كانوا يقعدون(11) متربعين(12) في الصلاة كما كان يفعل ابن عمر، منهم ابن عباس وأنس، وفعلَه سالم وعطاء وابن سيرين ومجاهد، وأجازَه الحسن في النافلة، وكرهَه ابن مسعود، وقال: لأنْ أُصلِّي على رضفتين(13) أحبُّ إليَّ من أن أتربَّع في الصلاة، وكرهَه الحسن والحكم. واختلفوا في(14) جلوس المرأة في الصلاة فرأتْ طائفة أن تقعد قعود الرجل كفعل أمِّ الدرداء، وهو قول النَّخَعِي ومالك بن(15) أنس.
          ورأتْ طائفة أن تقعد كيف شاءت(16) إذا اجتمعت، هذا قول عطاء والشَّعبيِّ، وهو قول الكوفيين والشافعيِّ، وكانت صفية تصلِّي متربِّعة، وكان نساء ابنِ عمر يفعلنَ ذلك، وقال بعض السَّلف: كُنَّ النساءُ يُؤمرن أنْ يتربَّعن إذا جلسن في الصلاة، ولا يجلسنَ جلوس الرجال على أوراكهنَّ فيتقى(17) أن يكون منهنَّ الشيء. /


[1] في (ق): ((رجليّ)).
[2] في (م) و(ق): ((حذاء)).
[3] في (م) و(ق): ((أمكن)).
[4] قوله: ((إلى)) ليس في (م) و(ق).
[5] في (م) و(ق): ((فإذا)).
[6] زاد في (ص): ((أصابع)).
[7] في (ق): ((فإذا)).
[8] زاد في (م) و(ق): ((جاء)).
[9] قوله: ((ألشافعي و)) ليس في (ص).
[10] في (ق): ((أصحابه)).
[11] في (م) و(ق): ((يجلسون)).
[12] في (ق): ((مربعين)).
[13] في (ق): ((وصفتين)).
[14] زاد في (م) و(ق): ((صفة)).
[15] في (ص): ((و)).
[16] في (ق): ((شاء)).
[17] في (م) و(ق): ((يتقى)).