شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إنما جعل الإمام ليؤتم به

          ░51▒ باب: إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ.
          وَصَلَّى النبي صلعم فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهُوَ جَالِسٌ.
          وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإمَامِ يَعُودُ، فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ، ثُمَّ(1) يَتْبَعُ الإمَامَ.
          وَقَالَ الْحَسَنُ: فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإمَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَلا يَقْدِرُ على السُّجُودِ، يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الأخيرَةِ(2) سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأولَى بِسُجُودِهَا، وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ: يَسْجُدُ.
          فيه: عَائِشَة قَالْت: (لما مَرَضِ النبيُّ صلعم، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، /
          قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ: فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ ثلاث مرَّات، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ صلعم لِصَلاةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَأَرْسَلَ رسول الله صلعم إلى أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ النبي صلعم وَجَدَ من نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَستَأَخِرَ(3)، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النبيُّ صلعم بِأَنْ لا يَتَأَخَّرَ، قَالَ: أَجْلِسَانِي إلى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إلى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلاةِ رسول الله صلعم، وَالنَّاسُ يُصَلون بصلاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ صلعم قَاعِدٌ). [خ¦687]
          وفيه: عَائِشَة قَالَتْ: (صَلَّى النبيُّ صلعم وَهُوَ شَاكٍ فِي بَيْتِهِ(4)، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا). [خ¦688]
          وفيه: أَنَس قال: (رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ(5) الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ(6)).
          قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَوْلُهُ: (وإِذَا(7) صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا)، هُوَ(8) فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى بعد ذلك النبيُّ صلعم جَالِسًا، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، ولَمْ(9) يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ(10)، مِنْ فِعْلِه(11) صلعم. [خ¦689]
          قال المؤلف(12): قوله صلعم: (إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا)، فإنَّ العلماء اختلفوا هل يكون عمل المأموم والإمام معًا(13) أو بعدَه، فقال ابن حبيب: قال مالكٌ: ويفعل المأموم مع الإمام إلَّا في الإحرام والقيام من اثنتين(14) والسَّلام، فلا يفعلُه إلَّا بعدَه، وقال أبو حنيفة وزفر ومحمَّد والثوريُّ(15): يُكبِّر في الإحرام(16) مع الإمام. وروى سحنون عن ابن القاسم في «العتبية»: إنْ أحرم معَه أجزأَه وبعدَه أصوب، وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة. وفي «المجموعة» عن مالك: إن أحرم معَه أو سلَّم يعيد الصلاة، وقالَه أصبغ، وحقَّقَه ابن عبد الحكم، وقال أبو يوسف والشافعيُّ: لا يكبِّر(17) حتَّى يفرغ الإمام من التكبير، وقال ابن أبي زيد في كتاب آخر: والعمل بعدَه في كلِّ شيء أحسن؛ لقولِه صلعم: ((إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا))، وقالَه أحمد بن حنبل وهو معنى قول الشافعيِّ(18).
          وحجُّة هذا القول، قولُه ◙: (إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ(19) فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا)، فجعل فعلهم عقيب فعلِه، فالفاء(20) للتعقيب، وإذا لم يتقدَّمْه الإمام بالتكبير والسلام فلا يصحُّ الائتمام به لأنَّه محالٌ أن يدخل المأموم في صلاة لم يدخل فيها إمامُه، ولا يدخل فيها الإمام إلَّا بالتكبير، والإمام اشتقَ من التقدَّم والمأموم من الاتِّباع، فوجب أن يتبع(21) فعل(22) المأموم بعد إمامِه.
          ووجه قول ابن أبي(23) سلمة وابن القاسم وابن عبد الحكم أنه يجزئه(24) إحرامَه معَه؛ لأنَّ(25) الائتمام معناه الامتثال(26) لفعل الإمام، فهو إذا فعل مثل فعلِه، فسواء أوقعَه معَه أو بعدَه(27)، فقد حصل ممتثلًا لفعلِه.
          واختلفوا فيمن ركع أو سجد قبل إمامِه، فرُوي عن ابن عمر أنَّه قال: لا صلاة له، وهو قول أهل الظاهر. ورُوي عن عُمَر بن الخطاب أنَّه(28) من رفع رأسَه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسَه بعد رفعِه إيَّاه، كقول ابن مسعود، قال(29) الحسن والنخعيُّ: إذا رفع من السجود قبلَه(30) يعود في سجدتِه قبل أن يرفع الإمام رأسَه، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق.
          وقال الشافعيًّ وأبو ثور: إذا ركع أو سجد قبلَه فأدركَه الإمام وهو راكع أو ساجد فقد أساء ويجزئه، وقد شذَّ(31) الشافعيُّ فقال: إن كبَّر للإحرام قبل إمامِه، فصلاتُه تامَّة. وقال مالك والكوفيون: إن كبَّر قبل إمامِه كبَّر بعدَه، وأجزأَه / وإن لم يستأنف التكبير بطلت صلاتُه. والحجة على الشافعيِّ قولُه صلعم في حديث أنس وأبي هريرة: ((إنَّما(32) جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبروا)).
          ذكر ذلك(33) البخاريُّ في باب: إيجاب التكبير وافتتاح الصَّلاة بعد هذا، وقد تقدَّم في هذا الباب أنَّ(34) الفاء للتعقيب، ومن مذهب الشافعيِّ الاقتداء بالإمام في الفعل والمقام(35)، وأنَّ المأموم لو صلَّى قدَّام إمامِه لم تصحَّ صلاتُه، فيلزمهم(36) في تكبيرة الإحرام مثلُه.
          فإن قالوا: لو وقع منه سبقٌ في ركوعِه لركوع الإمام لم تبطل صلاتُه، فكذلك في تكبيرة الإحرام.
          قيل: الفرق بينهما صحيح، وذلك أنَّه لا يجوز أن يتحلَّل بالسلام من الصَّلاة قبل إمامِه، فكذلك لا يجوز أن يدخل فيها قبلَه(37)، وإذا أحرم بعدَه فلا(38) يضرُّه أن يقع سبقٌ في بعضها لأنَّ عقدها قد صحَّ معَه.
          وأمَّا قول الحسن فيمن ركع ولا يقدر على السجود، فإنَّ العلماء اختلفوا في ذلك، فقال الكوفيون: يُستحبُّ له أن يتأخَّر(39) حتَّى يرفع الرجل رأسَه فيسجد بالأرض، فإن لم يفعل وسجد على ظهر رجل فقد أساء، وتجزئه وهو قول الثوريِّ(40) والشافعيِّ. وقال مالك: لا(41) تجزئه ويعيد. واحتجَّ الكوفيون بما رُوي عن(42) عمر(43) قال(44): من أذاهُ الحَرُّ فليسجدْ على ثوبِه أو على ظهر أخيه، ولا مخالف له في الصحابة، ذكرَه(45) الطحاويُّ. وأما قوله ◙: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمدَه، فقولوا: ربنا ولك الحمد))، ففيه حجَّة لقول مالك(46) والليث وأبي حنيفة(47) أن(48) المأموم يقتصر على أن يقول: ربنا ولك الحمد، دون أن يقول: سمع الله لمن حمدَه، وسيأتي قول من خالف هذا(49) في بابِه إن شاء الله، وكذلك اختلفوا فيمن صلَّى أمام إمامِه، فقال الكوفيون والثوريُّ والشافعيُّ في(50) رواية البويطيَّ(51): لا تجزئه. وقال مالك والليث: تجزئه، ذكرَه الطحاويُّ، وقال ابن المنذر: إنَّ قول إسحاق وأبي ثور كقول مالك والليث، واحتجَّ ابن القصَّار لمالك بأنَّ(52) دار آل(53) عُمَر بن الخطاب كانت أمام المسجد، وكانوا يصلُّون بصلاة الإمام في المسجد(54) ولا مخالف فيه، وحجَّة(55) من خالف ذلك قولُه صلعم: ((إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به))، فإذا كان(56) قدَّامَه فقد خرج(57) عن الموضوع. قيل له(58): إنَّما قيل الإمام لأنَّ(59) أفعالَه متقدِّمة لأفعالهم، ولم يُرد بذلك الموضع، ألا ترى أنَّ المأموم قد يقف عن يمين الإمام فليس الإمام أمامَه، ولو وقف الإمام عن(60) ذراعين من الكعبة، ووقف المؤتمُّون به عن(61) ذراع منها، لأجزأتهم(62) صلاتهم، فثبت أنَّ المراد اتِّباع أفعالِه في الصَّلاة، حتَّى توقع(63) أفعالُه(64) بعد أفعالِه، والله الموفق.
          وأمَّا قولُه صلعم: (وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ(65)) فاختلف العلماء(66) في إمامة الجالس، فقالت طائفة: يجوز أن يؤمَّ الجالس الجلوس إذا كان الإمام مريضًا، وإن كان من خلفه قادرين على القيام، رُوي هذا عن عطاء، وهو قول الأوزاعيِّ وأحمد، وإسحاق. وقالت طائفة: يجوز أن يصلِّي القيام خلف الإمام(67) القاعد، ولا يسقط عنهم فرض القيام لسقوطِه(68) عن إمامهم، هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف والأوزاعيِّ وزفر والشافعيِّ وأبي ثور، روى مثلَه الوليدُ بن مسلم عن مالك، قال(69): وأحب إلي(70) أن يقوم إلى جنبِه من يُعلم الناس بصلاتِه، كما فعل أبو بكر. وقالت طائفة: لا يجوز أن يؤمَّ أحدٌ قاعدًا، هذا قول مالك والثوريِّ ومحمد بن الحسن، قال محمد(71): وصلاتُه صلعم قاعدًا في مرضِه(72) خاصٌّ له، لا يجوز لأحد بعدَه صلعم، واحتجَّ ابن القاسم بأنَّ مالكًا حدَّثَه عن ربيعة بأنَّ(73) أبا بكر كان الإمام بالنبي صلعم قال(74) ولا(75) يجوز لأحد أن يؤمَّ قاعدًا في فريضة ولا نافلة، وإن عرض له ما يمنعُه استخلف.
          وحجَّة أهل المقالة الأولى: قوله صلعم: ((وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا(76))). قال أحمد بن حنبل(77): وهذه سنَّة ثابتة ينبغي أن يصلِّي القعود _وإن كانوا لا علَّة بهم_ وراء المريض الجالس، وقد فعل ذلك أربعة من أصحاب النبيِّ صلعم: جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن قَهْد، فدلَّ ذلك من فعلهم أنَّه ليس بخاصٍّ للنبيِّ(78) صلعم، ولا منسوخ من فعله(79)، إذ لو كان هذا(80) لعابَه سائر الصحابة على هؤلاء الأربعة الذين فعلوه، وقد روى عبد الرزاق(81) عن أنس بن مالك أنَّه فعل مثلَه. وأيضًا فإنَّ صلاتَه صلعم في مرضِه لا تشبه الصَّلاة التي أَمر فيها / بالقعود حين جُحِشَ شقُّه(82) لأنَّها صلاة ابتدأ الإمام فيها قاعدًا، فعليهم(83) القعود لسنَّتِه صلعم، وصلاتُه(84) صلعم في مرضِه هي صلاة أبي بكر ابتدأ فيها القيام(85)، فقاموا خلفَه ثمَّ جاء النبي صلعم بعد ذلك فقعد إلى جنبِه وهو مريض، فالصَّلاة على(86) ما ابتُدئت، فلا تشبِه هذه هذه ولا تنسخ هذه هذه، والأولى سُنَّة على معناها والثانية(87) سُنَّة على معناها(88).
          وحجَّة أهل المقالة الثانية: صلاتُه صلعم، في مرضِه الأخير بالناس قاعدًا وهم قيام، قالوا: وهو ناسخ لصلاتِه بالناس جالسًا وهم جلوس. قال(89) ابن شهاب: كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلعم كما(90) قال الحميديُّ. قال الطحاويُّ: واحتجَّ أهل المقالة الثالثة وقالوا: لا حجَّة لكم في هذا الحديث لأنَّ رسول الله صلعم كان في تلك الصَّلاة مأمومًا، وقد روى شعبة، عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: ((صلى رسول الله صلعم في مرضه الذي توفي(91) فيه خلف أبي بكر قاعدًا)). وروى ابن(92) أبي مريم عن يحيى بن أيوب حدَّثنا حميد عن ثابت البُنانيِّ عن أنس ابن مالك: ((أنَّ رسول الله صلعم صلَّى خلف أبي بكر قاعدًا(93) في ثوب واحد مخالف بين طرفيه، فكانت(94) آخر صلاة صلاهًا)). واحتج عليهم أهل المقالة الثانية بأنَّه إن(95) كان رُوي هذا، فإنَّ أفعال(96) النبيِّ صلعم في صلاتِه تلك تدلُّ على أنَّه كان إمامًا، وذلك أنَّ عائشة قالت في حديث الأسود عنها: ((فقعد رسول الله صلعم عن يسار أبي بكر))، وذلك قعود الإمام لا قعود المأموم، لأنَّه لو كان أبو بكر إمامًا له لكان ◙ يقعد عن يمينِه، فلما قعد عن يساره دلَّ ذلك على ما قلناه(97)، ذكرَه البخاريُّ في باب الرجل يأتمُّ بالإمام ويأتمُّ الناس بالمأموم بعد هذا. قال الطحاويُّ(98): وحجَّة أخرى وهي(99) أن ابن عباس روى أنَّ النبيَّ صلعم كان إمامًا، وقال في حديثِه: ((فأخذ رسول الله صلعم في القراءة من حيث انتهى أبو بكر))، ولولا أنَّه صلعم كان(100) الإمام ما قرأ لأنَّ تلك الصَّلاة كانت صلاة يجهر فيها بالقراءة، ولولا ذلك ما علم رسول الله صلعم بالموضع(101) الذي انتهى إليه أبو بكر، ولا خلاف بين الناس أنَّ المأموم لا يقرأ خلف الإمام كما يقرأ الإمام، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
          وأمَّا وجهُه من طريق النظر(102)، فإنَّا رأينا الأصل المجتمع عليه أنَّ دخول المأموم في صلاة الإمام قد يوجب فرضًا على المأموم لم يكن عليه قبل دخولِه، ولم نره يسقط فرضًا عليه قبل دخولِه، فمن ذلك أنَّا رأينا المسافر يدخل في صلاة المقيم، فيجب عليه أن يصلِّي أربعًا ولم(103) يكن ذلك واجبًا عليه قبل دخولِه معَه(104)، وإنَّما أوجبَه عليه دخولُه معَه، ورأينا مقيمًا لو دخل خلف(105) مسافر فصلَّى بصلاتِه حتَّى فرغ أتى بتمام صلاة المقيم، فالنظر على ذلك أن يكون الصحيح الذي عليه فرض القيام إذا دخل مع المريض الذي سقط عنه فرض القيام ألَّا يسقط عنه(106) فرض كان عليه قبل دخولِه في الصَّلاة. قال غيرُه(107): وما رُوي عن عائشةَ أنَّ أبا بكر كان الإمام فالروايات الثابتة عنها من رواية الأسود وعروة وعبيد الله بن عبد الله، كلهم عن عائشة(108) أن النبي صلعم كان الإمام أكثر وأصحُّ، وهو الذي صحَّحَه(109) البخاريُّ، ولو جعلنا ما رُوي عن عائشة متعارضًا، لكانت رواية ابن عبَّاس حجَّة كافية في ذلك، فلم يختلف عنه أنَّ النبيَّ صلعم كان الإمام. وأمَّا حديث ربيعة فلا يُحتجُّ بمثلِه لانقطاعِه، وقد يُحتمل أن يكون أبو بكر المتقدِّم(110) في صلاة من صلوات مرضِه؛ لأنَّ مرضَه كان أيامًا، وخرج فيها مرارًا، ولا خلاف في جواز صلاة المريض الجالس خلف القائم.
          وقولُه: (فَذَهَبَ لِيَنُوْء)، أي: تمايل ليتحامل على القيام، قال صاحب «العين»:(111) ينوء بالدابة، أي: يميل بها، وكلُّ ناهض بثقلٍ كذلك، وفي القرآن: {إِنَّ(112) مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ(113)}[القصص:76]، وناء النجم ينوء: مال إلى السقوط(114).


[1] قوله: ((ثم)) ليس في (ق).
[2] في(ق) و(م): ((الآخرة)).
[3] في(ق): ((يستأخر)), في (ص): ((ليتأخر)).
[4] قوله: ((في بيته)) ليس في (ق).
[5] في(م) و(ص): ((لك)).
[6] قوله: ((أجمعون)) ليس في (ق).
[7] في(م): ((إذا)).
[8] في (ص): ((وهو)).
[9] في(م) و(ق): ((قيامٌ لم)).
[10] في(ق): ((فبالآخر)).
[11] في(م) و(ق): ((فعل النبي)).
[12] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م) و(ق).
[13] في(م): ((يكون فعل الإمام والمأموم معًا)).
[14] في(م) و(ق): ((ثنتين)).
[15] في(م): ((وزفر والثوري ومحمد)).
[16] في(م) و(ق): ((يكبر للإحرام)).
[17] زاد في(ق) و(م) و(ص): ((المأموم)).
[18] قوله: ((وهو معنى قول الشافعي)) ليس في (ق).
[19] قوله: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ليس في (م) و(ق).
[20] في(م): ((والفاء)).
[21] في(م) و(ق): ((يقع)).
[22] في (ص): ((فجعل)).
[23] قوله: ((ابن أبي)) ليس في (ص).
[24] قوله: ((ابن أبي سلمة، وابن القاسم، وابن عبد الحكم أنه يجزئه)) ليس في (م) و(ق). وبدل منه قوله: ((من أجاز)).
[25] في(ق): ((أنَّ)).
[26] في (ص): ((الائتمام امتثال)).
[27] في(ق): ((بعد)).
[28] في(ق): ((أن)).
[29] في(م) و(ق): ((وقال)).
[30] في(ق): ((إذا رفع رأسه قبله)).
[31] في(م) و(ق): ((وشذَّ)).
[32] في(م): ((الشافعي قوله ◙ إنما)).
[33] في(م) و(ق): ((ذكره)).
[34] في (م) و(ق): ((في هذا الباب من حجة أصحابه أنَّ)), في (ص): ((وقد تقدم قبل هذا أن)).
[35] في (ص): ((والمقال)).
[36] في(م): ((فيلزمه)).
[37] قوله: ((قبله)) ليس في (ق).
[38] في(م): ((فلم)).
[39] في(ق): ((يستأخر)).
[40] في(م): ((أبي ثور)).
[41] قوله: ((لا)) ليس في (ص).
[42] زاد في(م) و(ق): ((ابن)).
[43] زاد في (ص): ((أنَّه)).
[44] في(م): ((أنه)).
[45] في(م): ((وذكره)).
[46] في(ق): ((حجة لمالك)).
[47] قوله: ((ففيه حجَّة لقول مالك، والليث، وأبي حنيفة)) ليس في (م).
[48] في(م): ((وأن)).
[49] في(م): ((هذا)) غير واضح.
[50] في(م): ((والثوري وفي)).
[51] زاد في(م): ((عن الشافعي))، و في (ق): ((والثوري في رواية البويطي عن الشافعي)).
[52] في(م): ((لمالك فقال إن)).
[53] قوله: ((آل)) ليس في (م).
[54] قوله: ((في المسجد)) ليس في (م).
[55] في(م): ((واحتجَّ)).
[56] في(م) و(ق): ((كانوا)).
[57] في(م): ((خرجوا)).
[58] قوله: ((له)) ليس في (م) و(ق).
[59] في(ق): ((إنما منع أن يفعل شيئًا قبل الإمام لأن)).
[60] في(م): ((على)).
[61] في(م): ((على)).
[62] في(م): ((أجزأتهم)).
[63] في(ق): ((يوقع)).
[64] في(م): ((أفعالهم)).
[65] قوله: ((أجمعون)) ليس في (م) و(ق).
[66] في(م) و(ق): ((فإن العلماء اختلفوا)).
[67] في(م) و(ق): ((المريض)).
[68] في(م): ((بسقوطه)).
[69] في (ص): ((فقال)).
[70] قوله: ((إلي)) ليس في (ق) و(م).
[71] في (ص): ((مجاهد)).
[72] في(م): ((في مرضه قاعدًا)), في (ص): ((في موضعه)).
[73] في(م) و(ق): ((أنَّ)).
[74] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[75] في(م): ((قال مالك: ولا)).
[76] زاد في(ق): ((أجمعون)).
[77] قوله: ((بن حنبل)) ليس في (م).
[78] في(م) و(ص): ((بالنبي)).
[79] في (ص): ((بفعله)).
[80] في(م) و(ق): ((هكذا)).
[81] في(م): ((وقد رُوي عن الدراوردي)).
[82] قوله: ((شقه)) ليس في (م).
[83] في (ص): ((فعلمهم)).
[84] في(م): ((وصلاة))، و في (ق): ((وصلاة النبي ◙)).
[85] في(م) و(ق): ((ابتدأ أبو بكر فيها بالقيام)), في (ص): ((بالقيام)).
[86] قوله: ((على)) ليس في (ق).
[87] في(م): ((والآخرة)).
[88] قوله: ((الثانية سنة على معناها)) ليس في (ص).
[89] في(م) و(ق): ((وقال)).
[90] قوله: ((كما)) ليس في (ق).
[91] في (ص): ((الذي مات)).
[92] في(م): ((وروي عن)).
[93] قوله: ((قاعدًا)) ليس في (م) و(ق).
[94] زاد في(م) و(ق): ((تلك)).
[95] في(م): ((وإن)).
[96] في(م): ((هذا فأفعال)).
[97] في(م) و(ق): ((دل على ما قلنا)).
[98] قوله: ((قال الطحاوي)) ليس في (م) و(ق).
[99] قوله: ((وهي)) ليس في (م) و(ق).
[100] في(م) و(ص): ((أنه كان ◙)).
[101] في(م): ((الموضع)).
[102] في(م): ((وأما من جهة النظر)).
[103] في(م) و(ص): ((ولو لم)).
[104] قوله: ((معه)) ليس في (ق).
[105] في(م) و(ق): ((دخل في صلاة)).
[106] قوله: ((عنه)) ليس في (ق).
[107] في(م) و(ق): ((المؤلف)).
[108] قوله: ((من رواية الأسود، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله، كلهم عن عائشة)) ليس في (ق) و(م).
[109] في(م) و(ق): ((صحح)).
[110] في(م): ((المقدم)).
[111] زاد في(م) ما صورته: ((ناء الحمل)).
[112] في(م): ((ما إنَّ)).
[113] قوله: ((أولي القوة)) ليس في (م) و(ق).
[114] في(م) و(ق): ((للسقوط)).