شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب القراءة في الفجر

          ░104▒ باب: الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ.
          وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَرَأَ النبي صلعم بِالطُّورِ.
          وفيه(1): أبو بَرْزَةَ الأسْلَمِيِّ، قَالَ: (كَانَ النبيُّ صلعم يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ، وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إلى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ، وَلا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلا يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَلا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ، فيعرف(2) جَلِيسَهُ(3)، وَكَانَ يَقْرَأُ(4) فِي الرَّكْعَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا(5)، مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلى الْمِائَةِ). [خ¦771]
          وفيه: أَبَو هُرَيْرَةَ قال: (فِي كُلِّ صَلاةٍ يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللهِ صلعم أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفى عَنَّا أَخْفَيْنَاه(6) عَنْكُمْ(7)، وَإِنْ(8) لَمْ تَزِدْ على أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ). [خ¦772]
          اتفق العلماء على أن أطول الصلوات قراءةً الفجر، وبعدها الظهر إلا أن البخاريَّ لم يُدخل غير(9) حديث أبي برزة: أنَّ النبيَّ صلعم كان يقرأ في الصبح ما بين الستين إلى المائة، وذكر عن أمِّ سلمة: ((أنَّ النبيَّ صلعم قرأ بالطور))، وذكرَه(10) في الباب بعد هذا، / %وذكر فيه ابن عباس(11): ((أنَّه ◙ قرأَ: قل أوحي(12)))، وذكر ابن أبي شيبة(13): سِمَاك، عن جابر بن سمرة: ((أنَّ قراءة النبي صلعم في الفجر كانت بـقاف(14)، ونحوها)). واختلفت الآثار عن الصحابة في ذلك، فرُوي عن أبي بكر الصَّديق ☺ أنه قرأ بسورة البقرة في الركعتين.
          وعن عُمَر بن الخطاب: أنه قرأ بيونس وبهود(15)، وقرأ عثمان بيوسف وبالكهف(16)، وقرأ عليٌّ بالأنبياء، وقرأ عبدالله بسورتين الآخرة منها بنو(17) إسرائيل(18)، وقرأ معاذ بالنساء، وقرأ عبيدة بالرحمن ونحوها، وقرأ إبراهيم بياسين وأشباهها، وقرأ عُمَر بن عبد العزيز(19) بسورتين من طوال المفصل.
          فدلَّ هذا الاختلاف عن السلف أنَّهم فهموا عن النبي صلعم إباحة التطويل والتقصير في قراءة(20) الفجر وأنَّه لا حدَّ في ذلك لا يجوز تعدِّيه، ويمكن _والله أعلم_ أن يكون من طوَّل القراءة(21) فيها من الصحابة علم حرص من(22) خلفهم على التطويل، وأما اليوم فينبغي التزام التخفيف(23) لأن في الناس السقيم والكبير وذا الحاجة كما قال صلعم لمعاذ، ألا ترى قول ابن عباس(24): ((إن لم تزد على أم القرآن أجزأت، فإن(25) زدت فهو خير))، فدل ذلك(26) أنه لا حدَّ في ذلك، وقد قال مالك(27) في الرجل يُبادر التجارة أو يُستغاث(28) به أو يُدعى لميت وهو في الصبح والظهر(29): أن يقرأ بالسورة القصيرة وكذلك المسافر يعجلُه أصحابُه.


[1] في (م): ((فيه)).
[2] في (ص): ((فيبصر)).
[3] قوله: ((الأسْلَمِيِّ، قَالَ: |||كَانَ النبي صلعم يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ... فيعرف جَلِيسَهُ)) ليس في (م) و(ق) وبدله قوله: ((أن النبي صلعم)).
[4] في (م) و(ق): ((كان يقرأ في الصبح)).
[5] في (م) و(ص): ((أحدهما)).
[6] في (ق): ((أخفينا)).
[7] قوله: ((عنكم)) ليس في (م) و(ق).
[8] في (ق): ((فإن)).
[9] قوله: ((غير)) ليس في (ق).
[10] في (م) و(ق): ((وعن ابن عباس)).
[11] قوله: ((وذكر فيه ابن عباس)) ليس في (م) و(ق).
[12] زاد في (م): ((إلي))، و في (ق): ((بقل أوحي إلي)).
[13] زاد في (م) و(ق): ((حديث)).
[14] زاد في (م): ((والقرآن المجيد))، و زاد في (ق): ((والقرآن)).
[15] زاد في (م): ((بيونس وهود وبالكهف ويوسف)).
[16] قوله: ((وبالكهف)) ليس في (م) و(ق).
[17] في (م): ((منهما بني)).
[18] قوله: ((وقرأ عبدالله بسورتين الآخرة منها بنو إسرائيل)) ليس في (ق).
[19] زاد في (ق): ((وقراء)).
[20] في (م): ((صلاة)).
[21] قوله: ((القراءة)) ليس في (م) و(ق).
[22] قوله: ((من)) ليس في (م).
[23] في (م) و(ق): ((فينبغي الاحتمال على التخفيف)).
[24] في(ق): ((أبي هريرة)).
[25] في (م) و(ص): ((وإن)).
[26] زاد في (م): ((على)).
[27] قوله: ((مالك)) ليس في (ق).
[28] في (ق): ((استغاث)).
[29] في (م) و(ق): ((أو في الظهر)).