شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب جهر المأموم بالتأمين

          ░113▒ باب: جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ(1): إِذَا قَالَ الإمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ(2) وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). [خ¦782]
          اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، فقالت طائفة: قوله: (إذا قال الإمام: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]فقولوا: آمين)، خطاب للمأمومين أن يقولوا: آمين، دون الإمام قالوا: وهذا(3) ظاهر الحديث ولم يرو للإمام قول آمين(4)، وهي رواية ابن القاسم عن مالك.
          وقالت طائفة أخرى: معناه: إذا بلغ الإمام موضع التأمين وهو قوله: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ(5) وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]، وقال: آمين، فقولوا: آمين.
          واحتجوا بما رواه معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: ((قال رسول الله صلعم: إذا قال الإمام: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]، فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
          وبما رواه الليث عن خالد بن يزيد(6) عن أبي هلال، عن نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بأم القرآن(7)، فلما بلغ: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]، قال: آمين، وقال الناس: آمين، فلما سلم قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلعم، فهذا فعل أبي هريرة وهو راوي الحديث عن النبي صلعم، وأقسم أنه أشبههم صلاة برسول الله صلعم، فعلى هذا(8) ينتفي التعارض من هذا الحديث(9)، وبين قوله: إذا أمن الإمام فأمنوا(10).
          وقد جمع الطبري(11) بين الحديثين فقال(12): ليس في أحدهما دفع لصاحبه لأن الحديثين كلاهما عن أبي هريرة، وذلك أن التأمين في الصلاة ليس من الأمور التي لا يجوز تركها، وإنما المصلي مندوب إليه إمامًا كان أو مأمومًا، فأخبر صلعم، أن المأموم إذا أمَّن بعد فراغ الإمام من فاتحة الكتاب فله من الأجر ما ذكر، وكذلك إذا أمن بعد تأمين الإمام فله من الأجر مثل ذلك، وليس في أحد الخبرين(13) معنى يدفع ما في الآخر، بل في كل واحد منهما ما في الآخر من وجه، وفيه ما ليس في الآخر من وجه، فالذي فيه ما ليس في الآخر أُمر من خلف الإمام بالتأمين إذا أمن القارئ، والذي في الآخر أمَرهم بالتأمين إذا قال الإمام: {وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]، وإن لم يؤمن الإمام، فذلك زيادة معنى على ما في الحديث الآخر، وأما ما هما متفقان فيه ما(14) لقائل ذلك من الثواب، وهذا(15) المراد من الحديث سواء أمن الإمام أم لا.
          وأما جهر المأموم بالتأمين فليس بيِّنًا(16) في الحديث؛ لأن قوله صلعم: (فقولوا آمين)، لا يقتضي الجهر دون السر، لكن لما كان / الإمام يجهر بالتأمين ولولا ذلك ما سمعه المأموم(17)، وكانوا مأمورين باتباع الإمام في فعله وجب(18) على المأموم الجهر بها كما جهر بها الإمام، هذا وجه الترجمة.
          وقد اختلف العلماء في ذلك فقال عطاء وعكرمة: لقد أتى علينا زمان إذا قال الإمام: {وَلاَ الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]سمعت لأهل المسجد رجة من قولهم: آمين.
          وقالت طائفة: يُسرُّ بها المأموم، قال الطبري: والخبر بالجهر بآمين والمخافتة بها صحيحان، وقد عمل بكل واحد منهما جماعة من علماء الأمة، وذلك يدل أنه مما خيرهم رسول الله صلعم في العمل بأي ذلك شاءوا، ولذلك لم ينكر بعضهم على بعض ما كان منهم في ذلك، وإن كنتُ مختارًا خفْضُ الصوت بها إذ كان أكثر الصحابة والتابعين على ذلك.


[1] في (م) و(ق): ((أبو هريرة قال رسول الله صلعم)).
[2] في (م) و(ق): ((فمن)).
[3] زاد في (ق): ((هو)).
[4] قوله: ((دون الإمام قالوا: وهذا ظاهر الحديث ولم يرو للإمام قول آمين)) ليس في (ز) وهي مثبتة من باقي النسخ.
[5] قوله: ((غير المغضوب عليهم)) ليس في (ق) و(م).
[6] في (م): ((زيد)).
[7] قوله: ((فقرأ بأم القرآن)) ليس في (م).
[8] زاد في (م): ((التأويل)).
[9] في (م): ((التعارض بين الأحاديث)).
[10] قوله: ((وبين قوله: إذا أمن الإمام فأمنوا)) ليس في (م).
[11] زاد في (م): ((أيضًا)).
[12] في (م): ((وقال)).
[13] في (م) و(ص): ((الحديثين)).
[14] في (م): ((هما فيه متفقان فما))، وفي (ص): ((من)).
[15] في (م): ((وهو)).
[16] في (م) و(ص): ((يبين))، وصورتها في (ز): ((بين)).
[17] في (م): ((المأمومون)).
[18] في (ص): ((يوجب)).