شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى

          ░60▒ باب: إِذَا طَوَّلَ الإمَامُ، وَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ، فَخَرَجَ، فَصلَّى.
          فيه: جَابِر بْن عَبْدِاللهِ(1): (أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلعم ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصلَّى الْعِشَاءَ، فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا(2) يَنَال(3) مِنْهُ، فَبَلَغَ النبي صلعم، فَقَالَ: فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ _ثَلاثَ(4) مرَات_ وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ). [خ¦700] [خ¦701]
          وترجم له: باب من شكا إمامَه إذا طوَّل.
          لمَّا أمر النبي صلعم بالتخفيف كان من طوَّل بالناس عاصيًا، ومخالفة العاصي جائزة لأنَّه لا طاعة إلَّا في المعروف. وقد احتجَّ أصحاب الشافعيِّ بأنَّ النبيَّ صلعم لم يُنكر على الرَّجل الذي خرج من صلاة معاذ ولا أمرَه بالإعادة. قال ابن القصَّار: واختلفوا فيمن دخل مع إمام في صلاة فصلَّى بعضها هل يجوز له أن يخرج منها فيُتمُّ منفردًا؟ قال(5) الشافعيُّ: يجوز له أن يخرج منها بعذر أو بغير عذر(6)، وقال أبو حنيفة: لا يجوز. والأمر عندي محتملٌ لأنَّ مالكًا قال في الإمام: إذا أحدث وقد مضى بعض صلاتِه أنَّه يستخلف من يتمُّ بهم، فإن لم يفعل قدَّموا من يتمُّ بهم، فإن لم يفعلوا وصلَّوا وحدانًا، فإنَّه يجزئهم إلَّا في الجمعة لأنَّها لا تكون إلَّا بجماعة، وهؤلاء / فإن(7) كان إمامهم بدأ بالخروج فقد اختاروا ترك تمامها بجماعة(8)، ويجوز(9) أن لا يجزئَه إذا أخرج(10) نفسَه مِن غير عذر. ويكون الفرق بينهما أنَّه إذا كان الإمام باقيًا في الصَّلاة، فإنَّ الصَّلاة متعلِّقة به، فما دام باقيًا فقد(11) تعلَّقت صلاتهم بصلاتِه فلم(12) تجزْ مخالفتُه باختيار المأمومين الخروج منها لغير عذر لأنَّه يؤدي إلى الشتات وإلى ترك ما ألزمَه نفسَه من الجماعة التي هو(13) مندوب إليها، وإذا دخل الإنسان في طاعة وجب عليه المضيُّ فيها إلَّا أن يطرأ عليه عذر.
          ويجوز أن يَستدلَّ بهذا الحديث مَن رأى الخروج من إمامة الإمام إذا فعل في صلاتِه ما لا يجوز له كالمصلي خامسةً أو رابعةً في المغرب أو ثالثة في الصبح، فيُسبِّح به قيامًا(14).
          قال ابن المواز: إن قعدوا ينتظرونَه حتَّى يُتمَّ الركعة بطلتْ صلاتهم، وكذلك المسافر إن قام مِن اثنتين فسبَّحوا به فتمادى سلَّموا(15) وتركوه، وهذه رواية ابن وهب وابن كنانة عن مالك، لأنَّهم إن انتظروه وهو جاهلٌ أو عامدٌ فسدتْ عليه وعليهم، وإن كان ساهيًا لزمهم(16) سجود السهو معَه، وهذه خير مِن رواية ابن القاسم عن مالك في «المدونة» أنَّهم ينتظرونَه ويُسلِّمون معَه(17) ويعيد هو في الوقت، قال ابن المواز: إنَّما أمرهم بذلك مالكٌ(18) في هذه الرواية لاختلاف النَّاس في صلاة المسافر، وأمَّا الحضريُّ فلو انتظروه لبطلتْ صلاتهم.


[1] قوله: ((بن عبدالله)) ليس في (ق).
[2] في (م) و(ق): ((معاذ)).
[3] في صحيح البخاري: ((تناولَ)).
[4] في(م) و(ق): ((فقال: فتان ثلاث)).
[5] في(م) و(ق): ((فقال)).
[6] في(م) و(ق): ((لعذر وغير عذر)).
[7] في(م) و(ق): ((وإن)).
[8] في (ق): ((اختاروا تركها لجماعة)).
[9] في(م) و(ق): ((ويحتمل)).
[10] في (ق): ((اخرجه)).
[11] في(م): ((وقد)).
[12] في(م): ((لم)).
[13] في (ق): ((هي)).
[14] صورتها في (ق): ((فيأبى)).
[15] في(م): ((سلموه)).
[16] في (ق): ((لزمه)).
[17] قوله: ((وهذه خير مِن رواية ابن القاسم عن مالك في «المدونة» أنَّهم ينتظرونَه ويُسلِّمون معَه)) ليس في (ق).
[18] قوله: ((مالك)) ليس في (م)، و في (ق): ((مالك بذلك)).