شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من قام إلى جنب الإمام لعلة

          ░47▒ باب مَنْ قَامَ إلى جَنْبِ الإمَامِ لِعِلَّةٍ.
          فيه: عَائِشَة قَالَتْ: (أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَبَا بَكْرٍ الصِّديق(1) أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَوَجَدَ من نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأَومَأ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلعم حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إلى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاةِ رَسُولِ اللهِ صلعم وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ). [خ¦683]
          سنَّةُ الإمامة تقديم(2) الإمام، وتأخير(3) الناس عنه، ولا يجوز أن يكون أحدٌ مع الإمام / في صفٍّ إلَّا في موضعين، أحدهما(4): العلَّة التي في هذا الحديث وما كان في معناها، مثل أن يضيق الموضع، فلا يقدر على التقدُّم، فيكون معهم في صفٍّ، ومثل العراة أيضًا إذا أمن أن يرى بعضهم بعضًا.
          والموضع الثاني: أن يكون رجلٌ واحد مع الإمام، فإنَّه يُصلي على(5) يمينِه في الصفِّ معَه، كما فعل النبيُّ صلعم بابن عباس إذ أدارَهُ من خلفِه إلى يمينِه، فإنْ صلَّى الإمام في صفِّ المأمومين بغير عذر، فقد أساء وخالف سنة الإمامة وصلاتُه تامَّة. وقال الطبريُّ: إنَّما أقام النبيُّ صلعم أبا بكر إلى جنبِه ليُعلِمَ الناسَ تكبيرَ ركوعِه(6) وسجودِه، إذ كان(7) صلعم قاعدًا، وفي القوم ممَّن يصلِّي بصلاتِه من لا يراه ولا يعلم ركوعَه ولا سجودَه، فبان أنَّ الأئمَّة إذا كانوا بحيث لا يراهم من يأتمُّ بهم، أن(8) يجعلوا بينهم وبين من يأتمُّ بهم(9) علمًا يعلمون بتكبيرِه وركوعِه(10)، تكبيرهم وركوعهم، وأنَّ لمن(11) لا يرى الإمام أن يركع بركوع المؤتمِّ به، ويسجد بسجودِه، وأنَّ ذلك لا يضرُّه ويجزئه أنْ لا يرى الإمام في كلِّ ذلك إذا رأى من يصلِّي بصلاتِه.
          وقوله: (فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ)، دليل واضح أنَّه لم يكن عندَه(12) مستنكرًا أن يتقدَّم الرجل عن مقامِه الذي قام فيه في صلاتِه ويتأخَّر، وذلك عملٌ في الصلاة من غيرها، فكلُّ ما كان نظير ذلك، ففعلَهُ(13) فَاعِل في صلاتِه لأمر دعاه إليه، فذلك جائز(14).


[1] قوله: ((أبا بكر الصديق)) ليس في (م).
[2] في(م) و(ق): ((تقدُّم)).
[3] في(م) و(ق): ((وتأخُّر)).
[4] قوله: ((أحدهما)) ليس في (ق).
[5] في(م): ((عن)).
[6] في(م) و(ق): ((تكبيره وركوعه)).
[7] زاد في(م): ((النبي)).
[8] في(م): ((أنَّ لهم أنْ)).
[9] قوله: ((أن يجعلوا بينهم وبين من يأتمُّ بهم)) ليس في (ق).
[10] قوله: ((بتكبيرِه وركوعِه)) ليس في (ق).
[11] زاد في(م): ((كان)).
[12] في(م) و(ق): ((عندهم)).
[13] في(م): ((فعله)).
[14] في(م): ((دعاه إليه فجائز))، و في (ق): ((دعاه الله إليه فجائز)).