شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة

          ░82▒ باب: إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلاة.
          فيه: أَنَسُ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم رَكِبَ فَرَسًا فصرع(1) فَجُحِشَ شِقُّهُ)، إلى قولِه: (إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كبَّر فكبِّروا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، /
          فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا). [خ¦732]
          وفيه: أَبو هُرَيْرَةَ: (أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا) الحديثَ. [خ¦733]
          اختلف العلماء في وجوب تكبيرة(2) الإحرام، فذهب جمهور العلماء إلى وجوبِه، وذهبتْ طائفة إلى أنَّه سنَّةٌ وممَّن رُوي ذلك عنه(3): سعيد بن المسيَّب والحسن البصريُّ والحكم والزهريُّ والأوزاعيُّ، وقالوا: إنَّ تكبيرة(4) الركوع تجزئه من تكبيرة الإحرام، ورُوي عن مالك في المأموم ما يدلُّ على أنَّه سنَّة، قال في «الموطأ» في رجل دخل مع الإمام فنسي تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع حتَّى صلَّى ركعة، فذكر(5) أنَّه لم يكن كبَّر للافتتاح ولا للركوع، وكبَّر في الركعة الثانية، فقال: يبتدئ صلاتَه أحبُّ إليَّ.
          وروى عنه ابن القاسم في «المدونة» أنَّ المأموم إن نسي تكبيرة الافتتاح وكبَّر للركوع ينوي بها للإحرام(6) أجزأَه، وإن لم ينوِ(7) إحرامًا تمادى(8) وأعاد احتياطًا للاختلاف، وذلك أنَّها لا تجزئه عند ربيعة، وتجزئه عند ابن المسيَّب، فوجْه قولِه في «الموطأ»: يبتدئ أحب إليَّ، يدلُّ على ما قال في «المدونة»: إن(9) تمادى أجزأَه وأعاد احتياطًا(10) للصلاة، ولم يختلف(11) قولُه في المنفرد والإمام أنَّ تكبيرة الإحرام واجبة على كلِّ واحد منهما، وأنَّ من نسيها منهم يستأنف صلاتَه.
          وحجة الذين أوجبوا تكبيرة الإحرام: قولُه صلعم: (فَإِذَا كبَّر فكبِّروا) فذكر صلعم تكبير(12) الإحرام دون غيرِه(13) من سائر التكبير، وقد أجمعوا أنَّ من ترك سائر التكبير غير تكبير الإحرام أنَّ صلاتَه جائزة، فدلَّ ذلك على أنَّ سائر التكبير غير تكبيرة الإحرام(14) ليس(15) بلازم، واحتجُّوا أيضًا على ذلك بما رواه الثوريُّ عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن عليِّ ☺ أنَّ النبي صلعم قال: ((تحريم الصَّلاة التكبير وتحليلها التسليم))، وكان أحمد وإسحاق يحتجَّان بهذا الحديث.
          وحجَّة الذين رأوا تكبيرة الإحرام سنَّة: إجماعهم أنَّ من ترك التكبير كلَّه ما عدا الإحرام أنَّ صلاتَه تامَّة قالوا: فكذلك تكبير الإحرام مثل تكبير سائر الصلوات في القياس، لأنَّ التكبير معناه كلُّه واحد(16) في أنَّه إذنٌ بحركات الإمام وشعار الصَّلاة، واختلفوا: هل يجزئ افتتاح الصَّلاة بالتسبيح والتهليل مكان التكبير؟ فقال مالكُّ وأبو يوسف والشافعيِّ وأحمد وإسحاق: لا يجزئ إلَّا الله أكبر، وأجاز الشافعيُّ الله الأكبر(17). وقال(18) الكوفيون: يُجزئ من التكبير ما قام مقامَه من تعظيم الله وذكرِه. وحجة مالك ومن وافقَه: قولُه صلعم: (وإذا كبَّر فكبِّروا)، يدلُّ أنَّه لابدَّ من لفظ التكبير، ومن زعم غير ذلك فعليه الدليل.


[1] زاد في(م) و(ق): ((منه)).
[2] في (ق): ((تكبير)).
[3] في(م) و(ق): ((عنه ذلك)).
[4] في(م) و(ق): ((تكبير)).
[5] في(م) و(ق): ((وذكر)).
[6] في(م) و(ق): ((الإحرام)).
[7] في(م): ((ينوي)).
[8] في(م): ((يتمادى)).
[9] في(م) و(ق): ((أنه إن)).
[10] في (ق) و(م): ((أجزأه غير أنَّه قال: يعيد احتياطًا))، وقوله: ((للاختلاف وذلك..... ولم يختلف)) ليس في (ص).
[11] في (ق): ((ينفرد)).
[12] في (ص): ((تكبيرة)).
[13] في(م): ((غيرها)).
[14] قوله: ((أنَّ صلاتَه جائزة، فدلَّ ذلك على أنَّ سائر التكبير غير تكبيرة الإحرام)) ليس في (ق).
[15] في(م): ((غير)).
[16] في(ق): ((لأن التكبير كله معناه واحد)).
[17] في(م): ((أكبر)).
[18] في(م): ((قال)).