شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أسمع الناس تكبير الإمام

          ░67▒ باب: مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإمَامِ.
          فيه: عَائِشَة ♦ قَالَتْ: (لَمَّا مَرِضَ النبي صلعم مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ(1)، وأمر أَبَا بَكْرٍ بالصَّلاة، خَرَجَ النبيُّ صلعم فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ أراد أن يَتَأَخَّر، فَأَشَارَ إِلَيْهِ صلعم أَنْ صَلِّ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَعَدَ النبيُّ صلعم إلى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ(2) التَّكْبِيرَ). [خ¦712]
          إنَّما أقام النبي صلعم أبا بكر ليُسمعَ الناسَ(3) تكبيرَه، ويُظهر إليهم أفعالَه؛ لأنَّه صلعم كان ضَعُف عن إسماعهم(4)، فأقامَه لهم، ليقتدوا به في حركاتِه إذ كان جالسًا وهم قيام، ولم يمكنهم كلُّهم رؤيته صلعم.
          وفيه من الفقه: جواز رفع المُذكِّر صوتَه بالتكبير والتحميد في الركوع والسجود ليسمع الناس إذا كثروا وبعُدوا من الإمام في الجمعات وغيرها، وإذا جاز للإمام أن يجهر بالتكبير / جاز للمأموم مثل ذلك، بدليل قولِه صلعم: ((إن هذه الصَّلاة لا(5) يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس إنَّما(6) هو التكبير والقراءة))، وإذا لم(7) يجز(8) الكلام في الصَّلاة(9) سرًّا لم يجز أن يجهر به، وكما(10) جاز فيها التكبير سرًّا جاز أن يجهر به فيها.
          وذكر محمَّد بن حارث عن لقمان بن يوسف قال: ذاكرنا حماس بن مروان في رفع(11) المذكِّر صوتَه بالتكبير(12) في الجمعات(13)، فقال: صلاتهم باطل، فقلت له: بل هي جائزة بدلالة الحديث في ذلك أنَّ رجلًا صلَّى خلف النبيِّ صلعم فقال: ربَّنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه(14)، فسمعَه النبي صلعم فلم يأمرْه(15) بالإعادة.
          قال المؤلف: وأظنُّ أبا حنيفة لا يُجيز ذلك، وستأتي(16) مذاهب العلماء في الكلام في الصَّلاة، والتكبير ذكر الله(17) وليس بكلام يُفسد الصَّلاة(18)، ومن أفسد الصَّلاة بذلك، فلا شكَّ في خطئِه، وفي «الواضحة»: وما جاز للرجل أن يتكلَّم به في الصَّلاة من معنى الذِّكْر والقراءة، فرفعَ بذلك صوتَه ليُنبِّه به رجلًا أو يستوقفَه فذلك جائز، وقد استأذن(19) رجلٌ على ابن مسعود، وهو يُصلِّي فقال: {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ}[يوسف:99].


[1] قوله: ((مرضه الذي مات فيه)) ليس في (م) و(ق).
[2] في(م): ((للناس)).
[3] قوله: ((التَّكْبِيرَ إنَّما أقام النبي صلعم أبا بكر ليُسمعَ الناسَ)) ليس في (ق)
[4] في(م): ((أسماعه)).
[5] في(م) و(ق): ((إن صلاتنا هذه لا)).
[6] في(م) و(ق): ((وإنما)).
[7] في(م) و(ق): ((ولمَّا لم)).
[8] قوله: ((لم يجز)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((في الصلاة)) ليس في (ص).
[10] في(م) و(ق) و(ص): ((ولما)).
[11] في(م) و(ق): ((مروان برفع)).
[12] قوله: ((بالتكبير)) ليس في (م).
[13] في (ق): ((الجماعات)).
[14] قوله: ((فيه)) ليس في (م) و(ق).
[15] في (ق): ((فأمره)).
[16] زاد في(م) و(ق): ((وأظنه مذهب أبي حنيفة أيضًا، وما تقدم في الباب يردُّ قوله وستأتي)).
[17] في(م): ((لله)).
[18] في(م): ((مفسد للصلاة)).
[19] في(م): ((واستأذن)).