شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يخرج من المسجد لعلة؟

          ░24▒ باب: هَلْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ.
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ (أَنَّ النبيَّ صلعم خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاهُ، انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ(1): على مَكَانِكُمْ، فَمَكَثْنَا على هَيْئَتِنَا، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، وَقَدِ اغْتَسَلَ(2)). [خ¦639]
          وترجم له: باب إِذَا قَالَ الإمَامُ: مَكَانَكَمْ حَتَّى يرجعَ انْتَظَرُوهُ(3).
          وقال فيه: (أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلعم، فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: على مَكَانِكُمْ…). وذكر(4) الحديثَ. [خ¦640]
          معنى هذا الباب: هل يخرج من المسجد إذا ذكر أنَّه جنب دون أن يتيمم أم لا؟ وقد تقدَّم هذا الباب في كتاب الطهارة، وذكرت هناك اختلاف العلماء في ذلك فأغنى عن إعادتِه. وقال المُهَلَّب: فيه(5) أنه قد يكون بين الأذان والإقامة مهلة عند الضرورة بقدْر اغتسالِه صلعم، وانصرافِه إليهم. فإن قال قائل(6): فإنَّ هذا الحديث يعارض حديث أبي قَتادة، أنَّه صلعم، قال: ((إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني)). قيل: يُحتمل أن يكون حديث أبي قَتادة على غير الإيجاب والحتم، بل(7) على وجه الرفق بهم لئلَّا ينتظروه قيامًا. وفيه: جواز انتظار الجماعة لإمامها الفاضل ما دام في سعة من الوقت.
          وفيه: جواز انتظارهم له قيامًا، وهذا ممَّا يكون فيما قرُب(8). وفي هذا الحديث حجَّة لمالك وأبي حنيفة أنَّ تكبير المأموم يقع بعد تكبير الإمام، وهو قول عامة الفقهاء، ويردُّ قول الشافعيِّ في إجازتِه تكبير المأموم قبل إمامِه لأنَّه روى حديث أبي هريرة(9) على ما رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم(10) عن عطاء بن يسار، أنَّ رسول الله صلعم كبَّر في صلاة من الصلوات، ثمَّ أشار إليهم أن امكثوا فذهب، ثمَّ رجع، و على جلدِه أثر الماء، فاحتج(11) به الشافعيُّ في ذلك(12)، ونقض أصلَه لأنَّه حديث مرسل وهو لا يقول بالمراسيل. ومالك الذي ذكرَه في «موطئِه» تركَه وأراد أن يُعرِّفنا أنَّه رواه ولم يقل به لأنَّه قد صحَّ عندَه أنَّه ◙ لم يكن كبَّر حينئذٍ على ما رواه أبو هريرة، وهذا الحديث رواه يونس ومعمر والأوزاعيُّ وصالح / بن كَيْسان عن الزهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وأنَّه(13) ◙ لم يكن كبَّر، وذهب فاغتسل ثمَّ رجع فكبَّر، ولو لم يكن(14) يستأنف التكبير عند رجوعِه لما صحَّت صلاة مَن خلفَه؛ لأنَّه كان يقع تكبيرُه بعد تكبيرهم، ولا يستحق الإمام اسم الإمامة إلا بتقديم(15) فعلِه فعل من يأتمُّ به واتِّباعهم له، ومن كبَّر قبل إمامِه فلم يأتمَّ به، ولا حصل متِّبعًا له.


[1] في (م): ((وقال)).
[2] في (م): ((واغتسل)).
[3] في (م): ((انتظروا)).
[4] قوله: ((وذكر)) ليس في (م) و(ق).
[5] في (م) و(ق): ((قال المهلب وفيه)).
[6] في (م) و(ق): ((فإن قيل)).
[7] قوله: ((بل)) ليس في (م) و(ق).
[8] في (ق): ((قل)).
[9] زاد في (م) و(ق): ((هذا)).
[10] في (م): ((إسماعيل بن الحكم)).
[11] في (م): ((واحتج)).
[12] قوله: ((في ذلك)) ليس في (ق).
[13] في (م) و(ق): ((أنه)).
[14] قوله: ((يكن)) ليس في (م) و(ق).
[15] في (م): ((بالتقدم)) وفي (ق): ((بتقدم))..