شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة

          ░27▒ باب الإمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الإقَامَةِ.
          فيه: أَنَس قَالَ: (أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَالنَّبِيُّ صلعم يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إلى الصَّلاةِ حَتَّى نَامَ(1) الْقَوْمُ). [خ¦642]
          وترجم له: باب الْكَلامِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ.
          في هذا الحديث ردّ لقول(2) الكوفيين أنَّ المؤذن إذا أخذ في الإقامة وقال: قد قامت الصلاة، وجب على الإمام تكبيرة الإحرام، ولو كان ما قالوه سنَّة الصلاة، ما كان النبي صلعم يُدخل(3) بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة عملًا من غيرها، ويدلُّ على صحة هذا القول عملُ الخلفاء الراشدين به من(4) بعد النبيّ صلعم، وأمرهم بتسوية الصفوف بعد الإقامة، فإذا أُخبروا بذلك كبَّروا، وبهذا قال مالك وأهل الحجاز ومحمَّد بن الحسن. وما تعلَّق به الكوفيون(5) من قول أبي هريرة: لا تفتنِّي بآمين، فإنمَّا(6) كان نادرًا منه لأنَّ شأنَه في صلاتِه كما كان(7) عمل الخلفاء بعدَه.
          قال(8) المُهَلَّب: وفي هذا الحديث دليل أنَّ اتصال الإقامة بالصلاة ليس من وكيد السنن، وإنَّما هو من مستحبِّها، وقد قال مالك: إذا بعُدت الإقامة من الإحرام رأيتُ أن تُعاد الإقامة استحبابًا لأنَّ فعل النبي صلعم في هذا الحديث يدلُّ(9) أنَّه ليس بلازم، وإنَّما ذلك(10) عند الحاجة التي يُخاف فوتها من أمر المسلمين. واختلف(11) العلماء في الكلام بعد الإقامة، فأجازَه الحسن البصريُّ، وقال أبو مجلز: أُقيمت الصلاة وصُفَّت الصفوف، فابتدر(12) رجلٌ لعمر فكلَّمَه فأطالا القيام، حتَّى ألقيا إلى الأرض والقوم صفوف. وكرِه الكلام بعد الإقامة النَّخَعِيُّ والزهريُّ، وهذا الحديث حجَّة عليهما.


[1] في (م): ((قام)).
[2] في (م) و(ق): ((فيه ردٌّ لقول)).
[3] في (م) و(ق): ((ليدخل)).
[4] قوله: ((من)) ليس في (م) و(ق).
[5] في (م) و(ق): ((وما تعلق للكوفيين به)).
[6] في (م) و(ق): ((فإنه)), في (ص): ((وإنما)).
[7] في (ق): ((كان كما)).
[8] في (م): ((وقال)).
[9] زاد في (ص): ((على)).
[10] في (ص): ((وإنما كان)).
[11] في (م): ((اختلف)).
[12] في (م) و(ق): ((فاندرأ)).