شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الأذان قبل الفجر

          ░13▒ باب: الأذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ.
          فيه: ابْن مَسْعُودٍ قال النبيُّ صلعم: (لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ، وَلِيَنْتَبهَ(1) نَائِمُكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ، أَوِ الصُّبْحُ، وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ، وَرَفَعَهَا إلى فَوْقُ، وَطَأْطَأَ إلى أَسْفَلُ، حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا). ومَدَّ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ(2) عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. [خ¦621]
          وفيه: عَائِشَة (قالَ رسولُ اللهِ صلعم: إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ). [خ¦622] [خ¦623]
          اختلف(3) العلماء في جواز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر، فأجازت(4) ذلك طائفة، وهو قول مالك والأوزاعيُّ وأبي يوسف والشافعيُّ وأحمد وإسحاق، وقال ابن حبيب: يُؤذِّن(5) للصبح وحدها قبل الفجر، وذلك واسع من نصف الليل، وذلك آخر أوقات العشاء إلى ما بعد ذلك. وقال ابن وهب: لا يؤذِّن لها قبل السدس الآخر من الليل، وقالَه سحنون، وقالت طائفة: لا يجوز الأذان لها إلَّا بعد الفجر، وهو قول الثوريِّ وأبي حنيفة ومحمد، واحتجوا بقوله ◙ في حديث ابن مسعود(6): ((لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فإنَّه يؤذن ليرجع قائمكم، وينبَّه نائمكم)).
          قال الطحاويُّ: فأخبر ◙ أنَّ ذلك النداء من بلال كان(7) لينتبه(8) النائم ويرجع القائم لا للصلاة، وبما رواه حمَّاد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنَّ بلالًا أذَّن قبل طلوع الفجر، فأمرَه النبيُّ صلعم أن يرجع فينادي: ((ألا إنَّ العبد قد نام))، فهذا ابن عمر يروي هذا وهو قد روى أنَّ بلالًا نادى(9) بليل؛ فثبت أنَّ ما كان من ندائِه قبل طلوع الفجر إنَّما كان لغير الصلاة، وأنَّ ما أنكرَه عليه إذ فعلُه للفجر(10) كان للصلاة، واحتجَّ أهل المقالة الأولى بقولِه ◙: ((إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتَّى ينادي ابن أمِّ مكتوم)).
          قال ابن القصَّار: فأخبر ◙ أنَّ نداء بلال للصبح يقع في الوقت الذي يجوز لمن أراد الصوم أن يأكل ويشرب فيه(11)، وهو قبل الفجر. وأمَّا قولهم: إنَّ أذان بلال كان لِيُسَحِّرَ الناس بأذانِه ويستيقظ النائم وينام القائم كما جاء في الخبر، فالجواب: أنه لو كان أذانه للسحور(12) فقط لقال فيه(13): حيَّ على السحور، ولم يقل حيَّ على الصلاة فيدعوهم إليها(14)، وهو(15) يدعوهم إلى السحور، فثبت أنه يدعوهم إلى الصلاة، وقد يكون لهما جميعًا فيكون أذانُه حضًّا على الصلاة، وإن احتاج أحدٌ إلى غُسل اغتسل، أو يكون فيهم من عادتُه صلاة الليل في(16) ذلك الوقت، أو يكون إنسانًا(17) قائمًا فيعرف أنَّه قد بقي عليه وقت يستريح فيه بنومِه كما كان يفعل ◙، فهذا معنى قولِه: ((ليرجع قائمكم وليُنبَّه نائمكم))، وهذا يحتاج إليه في شهر رمضان وغيرِه من يصوم دهره ومن(18) عليه نذر، قال غيره(19): وقوله (إن بلالًا ينادي بليل)، أي من شأنه أنْ يؤذِّن بليل الدهر كلَّه، فإذا جاء رمضان فلا يمنعكم أذانُه المعهود من سحوركم، وفي إجماع المسلمين على أنَّ النافلة بالليل والنهار لا أذان لها دليل بيِّنٌ أنَّ أذانَه كان لصلاة الصبح. قال المُهَلَّب: وفيه أنَّ الإشارة قد(20) تكون أقوى من الكلام.
          وقولُه: (ليس الفجر هكذا) يريد أنَّ الفجر ليس هو(21) الفجر(22) الأوَّل المعترض في الأفق، وذلك لا حكم له، وإنَّما هو علامة للفجر الثاني الذي يُحِلُّ ويحرِّم، الطالعُ في(23) مشرق الشمس المستطير إلى المغرب، ولذلك مَدَّ زهير سبابتيه عن يمينِه وشمالِه دلالة(24) على طلوع الفجر وانتشارِه.


[1] في (ق): ((ولينبه)).
[2] في (ق): ((سبابتيه)).
[3] في (ص): ((واختلف)).
[4] في (ص): ((فأجاز)).
[5] في (ق): ((ويؤذن)).
[6] في (ص): ((واحتجوا بحديث ابن مسعود أنه قال ◙)).
[7] قوله: ((كان)) ليس في (ص).
[8] في (ق): ((لينبه)).
[9] في (ق) و(ص): ((ينادي)).
[10] قوله: ((للفجر)) ليس في (ص).
[11] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).
[12] في (ص): ((أنه لو أراد به السحور)).
[13] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).
[14] قوله: ((إليها)) ليس في (ص).
[15] زاد في (ق) و(ص): ((يريد أن)).
[16] قوله: ((في)) ليس في (ق) و(ص).
[17] في (ق): ((إنسان)).
[18] في (ص): ((ممن يصوم دهره أو)).
[19] قوله: ((قال غيره)) ليس في (ص).
[20] قوله: ((قد)) ليس في (ص).
[21] في (ق): ((يريد أن الفجر هو الفجر الأول)).
[22] في (ص): ((هو هذا الفجر)).
[23] في (ق): ((من)).
[24] من قوله: ((أبي بكر، وقد جاء هذا المعنى منصوصًا في بدء الخلق في باب: علامات النبوة في الإسلام في هذا الكتاب)) إلى قوله: ((ولذلك مَدَّ زهير سبابتيه عن يمينِه وشمالِه دلالة)) ليس في (ز) ازهرية وفي هذا القسم اعتمدت نسخة مانيسا (م) أصلًا.